الذين سبقت لهم منا الحسنى

إذا وقت عزيمة الإنابة في قلب من سبقت لهم الحسنى قلعت قواعد الهوى من مشتاة الأمل، ركب "إبراهيم" يوما للصيد، وقد نصب له فخ (يَهديهِم رَبُهُم) حوله حب (يُحِبُهُم) فصيد قبل أن يصيد.
عبر ترجمان الهوى عن لغة "سَبَقَت لَهُم) فقال: ما لهذا خلقت، ولا بهذا أمرت، رماه الطبيب وقت انقضاء المرض، فسقاه دواء مفردا، فنفض به قولنج الهوى، رماه بسهم مواعظ ألقته عن قربوسه وبؤسه، لاحت له نار الهدى، فصاح في جنود الهوى: (إني آَنَستُ ناراً) فتجلى له انيس تجدني فاستحضره، فغاب عن وجوده، فلما أفاق من صعقة وجده، وقد دك طور نفسه، صاح لسان الإنابة بعبارة الإصابة (تُبتُ إِليكَ) فلما خرج عن ديار الغفلة أومأت اليقظة إلى الهوى:

يا "ابن أدهم": لو عدت إلى قصرك، فتعبدت فيه، قال العزم: كلا، ليس للمبتوتة نفقة ولا سكنى.

هام في بيداء وجده، فاستراح من عذول أمرضته التخم، فاستلذ طعم طعام الجوع، وحمل جلده على ضعف جلده خشونة بالصوف.

لاح له جمال الآخرة من خلال سجف (لَنَهدِيَنّهُم) فتمكن الحب من حبة القلب، فقام يسعى في جمع المهر من كسب الفقر.
طال عليه انتظار اللقاء، فصار ناطور البساتين.
تقاضته المحبة بباقي دينها، فسلم الروح في الغربة، هذا ثمن الجنة، فتأخر يا مفلس.

من كتاب الطائف لابن الجوزي