| خطورة السخرية والاستهزاء | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أبو بهاء مشرف القسم الصوفي
الجنس : عدد المساهمات : 56 نقاط : 83 تاريخ الميلاد : 10/05/1971 تاريخ التسجيل : 27/10/2010
| موضوع: خطورة السخرية والاستهزاء الخميس أكتوبر 28, 2010 7:35 pm | |
| خطورة السخرية والاستهزاء
اعلم أن الاستهزاء والسخرية شأن أهل العناد ، وقد تعرض له من قبل أهل الحق والسداد ، فلو عدنا إلى كتاب الله ، ونظرنا في سنة سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وقرأنا التاريخ والسير ، لوجدنا أن السخرية والاستهزاء تعرض لها الأنبياء والمرسلون ، وأتباعهم الصادقون ، وكذلك الأولياء والصالحون ، وهي سنة الله في خلقه ماضية ، نفوس أهل العرفان بها مطمئنةٌ وراضية.
قال الله تعالى : ﴿ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾[يّـس/30]
وقال سبحانه : ﴿ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [الزخرف/7]
سخروا من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وهم الصفوة الأخيار ، والسادة الأطهار ، أهل الصدق والأمانة ، والعصمة والفطانة ، الرحماء العقلاء ، والأصفياء الأوفياء ، أهل النصح والرشاد ، والحق والسداد ، أصحاب المقامات العلية ، والأخلاق السنية ، والأفعال الزكية .
وهذا نوع من أنواع البلاء الذي تعرض له السادة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وأتباعهم والسائرون خلفهم .
فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أشد بلاء ؟ فقال : الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل .
إذ البلاء أنواع ، ومن أنواعه المعارضة والممانعة من قبل أقوامهم ، وعدم تصديقهم برسالتهم ، ووقوفهم في وجه دعوتهم ، والأنبياء والأولياء يتلذذون بالبلاء كما يتلذذ غيرهم بالنعماء . فهم بربهم واثقون ، وعليه متوكلون ، والمكابر الساخر هو المغلوب الخاسر .
وصفوهم بالجنون وهم أهل العقل والسكون ، ﴿ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾ [الذريات/52] ، وقالوا هذا ساحر ، و ذاك شاعر، مع أنهم أكابر الأكابر ، وقد أوحى إليهم المليك القادر، وقالوا عن أتباعهم ، الأراذل ، وما رأوا أنهم في أعلى المنازل ، ﴿ قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ﴾ [الشعراء/111] .
أنكروا نبوة الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم ، وولاية الأولياء رضوان الله عليهم ، لحجابهم وكبرهم وعنادهم ، ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [النمل/14]
نظروا إلى أتباعهم نَظْرَةَ استصغارٍ ، ونَسَبُوهم إلى الذلة والصغار([1]) ، وما استصغر أحدٌ أحداً من حيث رؤية الفضل عليه ، إِلا سَلَّطَ اللَّهُ عليه ، وأذاقه ذُلَّ صَغَارِه :
ترى الرجلَ النحيف فتزدريه *** وفي أثوابه أسد هصـور
ومَنْ طَرَدَ مَنْ قَرَّبَه الله وأدناه ، استوجب الخِزْيَ في دنياه ، والصَّغَارَ في عقباه .
---------
([1]) قال في روح البيان : إن النفس سفلية ، وطبعها سفلي ، ونظرها سفلي ، والروح علوي ، وله طبع علوي ، ونظر علوي ، فالروح العلوي من خصائصه دعوة غيره إلى عالمه لأنه بنظره العلوي يرى شرف العبادات وعزتها ، ويرى السفليات وخستها وذلتها ، فمن طبعه العلوي يدعو السفلي إلى العلويات ، والنفس السفلية بنظرها السفلي لا ترى العلويات ولا تميل بطبعها السفلي إلى العلويات ، بل تميل إلى السفليات ، وترى بنظرها السفلي كل شيء سفلياً ، فتدعو غيرها إلى عالمها ، فمن هنا ترى الروح العلوي بنظر المثلية ، فكذلك صاحب هذه النفس يرى صاحب هذه الروح العلوي بنظر المثلية فيقول ما نراك إلا بشراً مثلنا فلهذا ينظرون إلى الأنبياء ، ولا يرونهم بنظر النبوة ، بل يرونهم بنظر الكذب والسحر والجنون ، ويرون أتباع الأنبياء بنظر الحقارة ، وإنما استرذلوهم مع كونهم أولي الألباب الراجحة ، لفقرهم وكان الأشراف عندهم من له جاه ومال ، كما ترى أكثر أهل زمانك يعتقدون ذلك ، ويبنون عليه إكرامهم وإهانتهم .
| |
|
| |
محب السيد الرواس الإدارة
الجنس : عدد المساهمات : 1055 نقاط : 1693 تاريخ الميلاد : 09/01/1987 تاريخ التسجيل : 07/09/2010
| موضوع: رد: خطورة السخرية والاستهزاء الجمعة أكتوبر 29, 2010 1:02 pm | |
| من مضمون الرسالة التي أرسلتها لي وأحببت نشرها لما فيها من فوائد :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله العزيز الجبار ، المنتصر لأوليائه الأخيار ، المنتقم ممن آذاهم من الأشرار ، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد منبع العلوم والأنوار. ومعدن المعارف والأسرار. ورضي الله تعالى عن أهل بيته الأطهار , وعن أصحابه الأبرار. أحمده سبحانه على ما أسبغ من نعمائه ، وأسبل من عطائه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة أستودعها عنده ليوم لقائه ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله وصفوة رسله وأنبيائه . وبعد : فإن الناظر في كتب الصالحين وسيرهم ، والباحث في صنوفهم ووصفهم ، يجد نفسه أمام عالَم رباني كبير ، ظاهر جلي ، ومستتر خفي, يجد نفسه مع رجال ليسوا كالرجال ، ومع قوم هم سادة القوم ، يجد العجائب ويسمع الغرائب . ومن العجب أن تجد صنفاً من أصنافهم آثروا الستر والخمول ، ولم يدَّعُوا القرب والوصول ، ورثوا الخفاء وكان حظهم من الناس الجفاء ، وإنك لتجد بين أهل السلوك فضلا ًعن غيرهم من لا يعترف بمثل هؤلاء ، ولا يقر لهم بالولاء ، مع العلم أن الدلائل عليهم واضحة ، والآثار في ذكرهم صادحة . وكم لله استخرت ، ولأهل المشورة استشرت ، وتقدمت وتأخرت ، وأقبلت وأدبرت , وعزمت وترددت ، ولما أن شرح الله صدري ، استعنت به وعليه توكلت ، سائلاً الحق سبحانه أن يحفني بألطافه ، وأن يمدني بإسعافه ، وأن يحقق المرجو في نشر ما يخفى ، وأن يجزي عليه الجزاء الأوفى ، وأن ييسر ما تعسر ، وأن يصفي ما تكدر ، وأن لا يؤاخذ فيما تعذر ، فإن شيمة العبد العجز والتقصير ، ومن فضله سبحانه العون والتيسير . وها أنا بعون الله تعالى وتوفيقه ، شارع في جمع كتاب يكون مبيناً لحال القوم وأصنافهم ، وموضحاً لنعوتهم وطبقاتهم ، وسبيلاً إلى التخلق بأخلاقهم وصفاتهم ، ذاكراً فيه النصرة الربانية لهم ، وتأييد الحق لمن أحبهم ، وقد جعلته مباحثاً وفصولاً ، تكون إن شاء الله تعالى للمنتقد برهاناً ودليلاً ، وللمعتقد موئلاً ومَقيلاً . وعمدتي في ذلك القرآن ، فإن فيه للمسترشد خير برهان ، و سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم له نعم البيان ، فكان الرجوع له صلى الله عليه وسلم حزماً ، والعمل بهديه عزماً ، ولقصوري عن فهم ماتضمنته الآيات والسور ، وعدم معرفتي بحقيقة ما جاء عن سيد البشر ، اقتديت بأهل السبق و العرفان ، وجعلتهم قدوتي في الشرح والتبيان ، وما كان مني إلا الجمع والتنسيق ، والتثبت في الرواية والتحقيق . وسميته : الانتصار لأهل الذل والانكسار ، أصحاب الفقر والمسكنة والاضطرار ، الشعث الغبر أهل الاستتار . فإن أحسنت فمن الله وفضله ، وإن كان غير ذلك فمن الله وعدله ، وفي كلا الأمرين نحن على بابه ، ولا نحول عن أعتابه . ولنشرع الآن بالمقصود ، سائلين الحق سبحانه دوام العون والفضل والجود ، متوسلين بالني الأكرم صلى الله عليه وسلم ، فإن ذلك في الحقيقة أتم وأسلم .
بارك الله تعالى بكم سيدي .. أبو بهاء ... ورزقكم حبه | |
|
| |
أبو بهاء مشرف القسم الصوفي
الجنس : عدد المساهمات : 56 نقاط : 83 تاريخ الميلاد : 10/05/1971 تاريخ التسجيل : 27/10/2010
| موضوع: رد: خطورة السخرية والاستهزاء الإثنين نوفمبر 01, 2010 1:19 am | |
| بارك الله بك أخي رائد ورزقك الحسنى وزيادة | |
|
| |
محب السيد الرواس الإدارة
الجنس : عدد المساهمات : 1055 نقاط : 1693 تاريخ الميلاد : 09/01/1987 تاريخ التسجيل : 07/09/2010
| |
| |
محب السيد الرواس الإدارة
الجنس : عدد المساهمات : 1055 نقاط : 1693 تاريخ الميلاد : 09/01/1987 تاريخ التسجيل : 07/09/2010
| موضوع: رد: خطورة السخرية والاستهزاء الإثنين نوفمبر 01, 2010 5:45 pm | |
| قريبا قد يكون لدي مفاجأة للإخوة
أرجو دعواتكم بالتمام على خير | |
|
| |
أبو بهاء مشرف القسم الصوفي
الجنس : عدد المساهمات : 56 نقاط : 83 تاريخ الميلاد : 10/05/1971 تاريخ التسجيل : 27/10/2010
| موضوع: دعاء بالتوفيق الثلاثاء نوفمبر 09, 2010 9:33 pm | |
| اللهم يسر لأخينا رائد رغباته ، وحقق له أمنياته ، وأنله مطلوباته ، ومتعه بمحبوباته ، وحقق له وعجل تحقيق مفاجأته ، آمين . | |
|
| |
أبو بهاء مشرف القسم الصوفي
الجنس : عدد المساهمات : 56 نقاط : 83 تاريخ الميلاد : 10/05/1971 تاريخ التسجيل : 27/10/2010
| موضوع: تابع خطورة السخرية والاستهزاء الجمعة نوفمبر 12, 2010 3:25 am | |
| السخرية والاستهزاء كبيرة من أخطر الكبائر([1]):
قال الله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًامِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلايَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[الحجرات:11- 13].
السخرية: احتقار الناس واستصغارهم ، والاستهزاء والاستهانة بهم قولاً أو فعلاً، والنظر إليهم بعين النقص والاستخفاف ، والتنبيه على العيوب والنقائص بوجه يُضْحَكُ منه ، وقد تكون بالمحاكاة بالفعل والقول أو الإشارة أو الإيماء ، أو الضحك على كلام المسخور منه إذا تخبَّط فيه أو غلِط ، أو على صنعته أو قبح صورته .
وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى: ﴿بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَان﴾: من لقب أخاه وسخر به فهو فاسق .
والآية على ما روي عن مقاتل والضحاك نزلت في قوم من بني تميم كانوا يستهزؤون بفقراء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مثل عمار وخباب وبلال وصهيب وسلمان وسالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهم ، لما رأوا من رثاثة حالهم.
ففي هذا النص القرآني ، نهى الله تعالى المؤمنين عن أن يسخر بعضهم من بعض بجميع معاني السخرية ، فلا يحلّ لمؤمن أن يسخر من مؤمن لا لفقره ، ولا لذنب ارتكبه ، ولا لغير ذلك.
فلا يستهزئ غنيٌّ بفقير ، ولا مستور عليه ذنْبُه بمن لم يُستَر عليه ، ولا ذو حَسَب بلئيم الحَسَب ، وأشباه ذلك ممّا يتنقَّصه به ، عسى أن يكون عند الله خيراً منه ، فإنه قد يكون المحتقَر أعظمَ قدراً عند الله وأحب إليه من الساخر منه المحتقِر له ، فإن من استحقر إنساناً لفقره أو ضعفه ، لايأمن أن يفتقر هو ويستغني الفقير ، ويضعف هو ويقوى الضعيف .
قال أبو السعود في تفسيره([2]) :
إنَّمناطَ الخيريةِ في الفريقينِ ليسَ ما يظهرُ للناسِ من الصورِ والأشكالِ ،ولا الأوضاعِ والأطوارِ التي عليَها يدورُ أمرُ السخريةِ غالباً ، بلْ إنما هُوَ الأمورُ الكامنةُ في القلوبِ ، فلا يجترىء أحدٌ على استحقارِأحدٍ ، فلعلَّهُ أجمعُ منْهُ لما نيطَ بهِ الخيريةُ عندَ الله تعالَى ،فيظلَم نفسَهُ بتحقيرِ منْ وقَّره الله تعالَى ، والاستهانةِ بَمنْ عظَّمُه الله تعالَى.
قال الثعالبي في تفسيره([3]):
هذه الآية والتي بعدها نزلت في خُلُقِ أهل الجاهلية ؛ وذلك أَنَّهم كانوا يجرون مع شهواتِ نفوسهم ، لم يقومهم أمر من اللَّه ولا نهي ، فكان الرجل يسخر ، ويلمز ، وينبز بالألقاب ، ويَظُنُّ الظنونَ ، ويتكلم بها ، ويغتاب، ويفتخر بنسبه ، إلى غير ذلك من أخلاق النفوس البطَّالة ، فنزلت هذه الآية ؛ تأديباً لهذه الأُمَّةِ ، ومن أقبح القبيح استخفاف الدنيئ الأرذل بالأكرم الأفضل ، واستهزؤاه به .
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من النهي عن السخرية جاء ذم فاعله وعقوبته عند الله في غير هذا الموضع كقوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم ﴾[التوبة/79].
وقد بين تعالى أن الكفار المترفين في الدنيا كانوا يسخرون من ضعاف المؤمنين في دار الدنيا ، وأن أولئك يسخرون من الكفار يوم القيامة ، كما قال تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الحياة الدنيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الذين آمَنُواْ والذين اتقوا فَوْقَهُمْ يَوْمَ القيامة﴾ [ البقرة: 212 ] .
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المطففين: 29 ، 36] .
فلا ينبغي لمن رأى مسلماً في حالة رثة تظهر بها عليه آثار الفقر والضعف أن يسخر منه لهذه الآيات التي ذكرنا .
قال القشيري:
نهى اللَّهُ سبحانه تعالى عن ازدارءِ الناس ، وعن الغَيْبَةِ ، وعن الاستهانةِ بالحقوق ، وعن تَرْكِ الاحترام . ويقال:ما استصغر أحدٌ أحداً إلا سُلِّطَ عليه . ولا ينبغي أن يُعْتَبَر بظاهرأحوال الناس فإنَّ في الزوايا خبايا . والحقُّ يستر أولياءَه في حجابِ الضّعَة .
وقد جاء في الخبر :«رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، ذِي طِمْرَيْنِ ، لاَ يُؤْبَهُ لَهُ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ»([4]) .
النَّفْسُ لا تَصْدُقُ ، والقلبُ لا يَكْذِبُ . والتمييز بين النفس والقلب مُشْكِلٌ ومَنْ بَقِيَتْ عليه من حظوظه بقيَّةٌ وإنْ قَلَّتْ ، فليس له أن يَدَّعي بيانَ القلب بل هو بنفسه ما دام عليه شيءٌ من نَفْسِه ، ويجب أن يَتَّهِمَ نَفْسَهُ في كل ما يقع له من نقصان غيره . . هذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال وهو يخطب . «كلُّ الناس أفقهُ من عمر . . . امرأة أفقهُ من عمر» .والعارف لا يتفرغ من شهود الحقِّ إلى شهود الخَلْق . . فكيف يتفرغ إلى تجَسُّسِ أحوالهم ؟ وهو لا يتفرغ إلى نَفْسِه فكيف إلى غيره ولا تحصل الغيبة للخَلق إلاَّ من الغيبةِ عن الحقِّ ، وعزيزٌ رؤيةُ مَنْ لا يغتاب أحداً بين يديك .انتهى بتصرف([5]).
اعلم أن الدين والتدين كله أدب ، فمن زاد عليك بالأدب زاد عليك بالدين والتدين، والمتأدب مع الله متأدب مع خلق الله ، والإنسان كريم على الله ، مكرم عند الله .
قال تعالى :﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾[الإسراء :70] ، ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: 4] ، فبغضِّ النظر عن كل شيء ، ستجد نفسك أمام إنسان هو صنعة خالقك ومولاك الذي خاطب الملائكة في شأنه قائلاً ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾[الحجر/29] .
فأين أنت من هذا ؟ ومن أين جاءتك الجرأة أن تسخر وتستهزئ وتستحقر ؟ وكيف وقدأخفى الله الحقائق ، وستر عنك الخلائق ، والأحاديث في ذلك متعددة الطرائق:
فعن أَبي عباس سهل بن سعد الساعِدِيِّ - رضي الله عنه - ، قَالَ : مَرَّرَجُلٌ عَلَى النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٌ : «مَا رَأيُكَ في هَذَا» ؟فَقَالَ : رَجُلٌ مِنْ أشْرَافِ النَّاسِ ، هَذَا واللهِ حَرِيٌّ إنْخَطَبَ أنْ يُنْكَحَ ، وَإنْ شَفَعَ أنْ يُشَفَّعَ . فَسَكَتَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ ، فَقَالَ لَهُ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا رَأيُكَ في هَذَا»؟ فَقَالَ : يَا رَسُولَ الله ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَراءِ المُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ إنْ خَطَبَ أنْ لا يُنْكَحَ ، وَإنْ شَفَعَ أنْ لايُشَفَّعَ ، وَإنْ قَالَ أنْ لاَ يُسْمَعَ لِقَولِهِ .
فَقَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلءِ الأرْضِ مِثْلَ هَذَا» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي حديث المتكلمين في المهد الذي فيه:
«وَمَرُّوابِجَارِيَةٍ وَهُم يَضْرِبُونَهَا ، ويَقُولُونَ : زَنَيْتِ سَرَقْتِ ،وَهِيَ تَقُولُ : حَسْبِيَ اللهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ . فَقَالَتْ أمُّهُ :اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَل ابْنِي مِثْلَهَا ، فَتَركَ الرَّضَاعَ ونَظَرَإِلَيْهَا ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مثْلَهَا ، فَهُنَالِكَ تَرَاجَعَا الحَديثَ، فَقَالَتْ : مَرَّ رَجُلٌ حَسَنُ الهَيْئَةِ ،فَقُلْتُ : اللَّهُمَّ اجْعَلْ ابْنِي مِثْلَهُ ، فَقُلْتَ : اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ ، وَمَرُّوا بهذِهِ الأمَةِ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا وَيَقُولُونَ : زَنَيْتِ سَرَقْتِ ، فقلتُ : اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا ، فَقُلْتَ : اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا ؟! قَالَ : إنَّ ذلك الرَّجُل كَانَ جَبَّاراً ، فَقُلْتُ :اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ ، وَإنَّ هذِهِ يَقُولُونَ : زَنَيْتِ، وَلَمْ تَزْنِ وَسَرقْتِ ، وَلَمْ تَسْرِقْ ، فَقُلْتُ : اللَّهُمَّاجْعَلْنِي مِثْلَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
قال ابن عجيبة([6]) :
مذهب الصوفية التعظيم والإجلال لكل ما خلق الله ، كائناً مَن كان ؛ لنفوذ بصيرتهم إلى شهودِ الصانع والمتجلِّي ، دون الوقوف مع حسن الصنعة الظاهرة، وقالوا : « شروط التصوُّف أربعة : كف الأذى ، وحمل الجفا ، وشهود الصفا، ورميُ الدنيا بالقفا » . فشهود الصفا يجري في الأشياء كلها ، فإياك ياأخي أن تَحقِر أحداً من خلق الله ؛ فتُطرد عن بابه ، وأنت لا تشعر .
ولله در القائل :
للّهِ في الخلقِ أسرارٌ وأنوارُ ... ...ويَصطفي اللّهُ مَن يَرضَى ويَخْتارُ
لاَ تَحْقِرنَّ فقيراً إن مررْت به... ...فقد يكونُ له حظٌّ ومقْدارُ
والمرءُ بالنَّفْسِ لا بِاللَّبْس تَعْرِفُه... ...قَد يَخْلَقُ الْغِمْدُ والْهنْديُّ بتَّار
والتِّبْرُ في التَّربِ قد تَخْفى مَكانتُه... ...حَتَّى يُخَلِّصُه بالسَّبْكِ مِسْبَارُ
ورُبَّ أشعثَ ذِي طِمرَيْنِ مجتهدٌ... ...لَه على الله في الإقْسَامِ إبْرارُ
وأخرج أحمد في الزهد ، وابن أبي الدنيا في الصمت وفي ذم الغيبة، والبيهقي في الشعب ، عَنِ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«إنَّ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِالنَّاسِ يُفْتَحُ لأَحَدِهِمْ فِي الآَخِرَةِ بَابٌ مِنْ الْجَنَّةِ ، فَيُقَالُ لَهُ: هَلُمَّ هَلُمَّ فَيَجِيءُ بِكَرْبِهِ وَغَمِّهِ فَإِذَا جَاءَهُ أُغْلِقَ دُونَهُ ، ثُمَّ يُفْتَحُلَهُ بَابٌ آخَرُ فَيُقَالُ لَهُ هَلُمَّ هَلُمَّ فَيَجِيءُ بِكَرْبِهِ وَغَمِّهِ فَإِذَا جَاءَهُ أُغْلِقَ دُونَهُ ، فَمَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُفْتَحَ لَهُ الْبَابُ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَلُمَّ فَمَا يَأْتِيهِ مِنْ الإِيَاسِ»([7]).
وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المبارك ، وابن عساكر ، عن ابن مسعود رضي الله عنه: «البَلاءُ مُوَكّلٌ بِالْقَولِ ، لَوْ سَخِرْتُ مِنْ كَلْبٍ لَخَشِيتُ أَنْ أُحَوَّلَ كَلْبَاً»([8]) .
وأخرج الخطيبالبغدادي في تاريخه ([9])، عن ابن الدورقي قال: اجتمع الكسائي واليزيدي عند الرشيدي ، فحضرت صلاة يجهر فيها ، فقدموا الكسائي يصلي ، فأرتج عليه في قراءة: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ ، فلما أن سلَّم قال اليزيدي: قارىء أهل الكوفة يرتج عليه في ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ ؟ فحضرت صلاة يجهر فيها فقدموا اليزيدي فأرتج عليه في سورة الحمد فلما أن سلم قال:
احْفَظْ لِسَانَكَ لاَ تَقُول فَتَبتَلِي... ... إِنَّ البّلاَءَ مُوَكّلٌ بالْمَنْطِقِ
وأخرج ابن أبي شيبة ، والبيهقي ، وابن عساكر ، وابن المبارك ، وأبو نعيم ، عن الإمام مالك أنه بلغه، عَنْ سَيِّدِنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «لاَتُكْثِرُوا الْكَلامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ ،فَإِنَّ الْقَلْبَ الْقَاسِيَ بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ وَلَكِنْ لاَتَعْلَمُونَ ، وَلاَ تَنْظُرُوا فِي ذُنُوبِ النَّاسِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ ، وَانْظُرُوا فِي ذُنُوبِكُمْ كَأَنَّكُمْ عَبِيدٌ ،فَإِنَّمَا النَّاسُ مُبْتَلًى وَمُعَافًى ، فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلاَءِ وَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى الْعَافِيَةِ»([10]).
وعن أبي سعيد الخراز ، قال: دخلت المسجد الجامع ، فرأيت فقيراً عليه خرقتان ،فقلت في نفسي : هذا وأشباهه كَلٌّ على الناس ، فناداني ، وتلا :﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾ [ البقرة : 235 ] فاستغفرتُ الله في سري ، فناداني وقال : ﴿وَهُوَ الَّذِى يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾ [الشورى: 25] ثم غاب عني فلم أره ([11]).
*****************************
([1]) راجع الزواجر لابن حجر الهيتمي: الكبيرة الحادية والخمسون بعد المائتين : السخرية والاستهزاء بالمسلم . ([2]) تفسير أبي السعود [8 / 121] . ([3]) الجواهر الحسان في تفسير القرآن [4 / 188] . ([4]) المعجم الأوسط[1 / 264 ، (861)] ، مسند عبد بن حميد [ص: 370 ، (1236)] ، شعب الإيمان [7 / 331 ، (10482)] . ([5]) تفسير القشيري [6 / 9] . ([6]) البحر المديد [ 7 / 169] . ([7]) شعب الإيمان [5 / 310 ، (6757)] ، الصمت [ ص: 168 ، (285)] ،كتاب ذم الغيبة ، باب ما نهي عنه العباد من أن يسخر بعضهم من بعض ، الدر المنثور [8 / 453] وعزاه لأحمد بالزهد . قال في روح المعاني [1 / 158]: وقد روى ذلك بسند مرسل جيد الإسناد . ([8])مصنف ابن أبي شيبة [5 / 231 ، (25546)] ، الزهد لابن المبارك [ ص: 256 -257 ، (741)] ، الزهد لهناد [2 / 570 ، (1194)] ، تاريخ دمشق [33 / 170] ،صفة الصفوة [1 / 418] ، فيض القدير [ 3 / 292 ، (3219)] ، كنز العمال(8844) . ([9]) تاريخ بغداد [11 / 408] . ([10])الموطأ [2 / 986 ، (1784)] ، مصنف ابن أبي شيبة [6 / 340 ، (31879)] ، شعبالإيمان [4 / 263 ، (5023)] ، حلية الأولياء [6 / 328] ، الزهد لابنالمبارك [ص: 44 ، (135)] ، تاريخ دمشق [68 / 63]. ([11]) إحياء علوم الدين [3 / 25] ، الروح [239] ، البحر المديد [ 7 / 169].
عدل سابقا من قبل محب السيد الرواس في الجمعة نوفمبر 12, 2010 4:02 am عدل 2 مرات (السبب : الخط صغير جدا وغير واضح) | |
|
| |
أبو بهاء مشرف القسم الصوفي
الجنس : عدد المساهمات : 56 نقاط : 83 تاريخ الميلاد : 10/05/1971 تاريخ التسجيل : 27/10/2010
| موضوع: تابع وخاتمة خطورة السخرية والاستهزاء الجمعة نوفمبر 12, 2010 7:42 pm | |
| قال القرطبي([1]):
وبالجملة فينبغي ألا يجترئ أحد على الاستهزاء بمن يقتحمه بعينه([2]) إذا رآه رث الحال ، أو ذا عاهة في بدنه أو غير لبيق في محادثته ، فلعله أخلص ضميراً وأنقى قلباً ممن هو على ضد صفته، فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله ، والاستهزاء بمن عظمه الله.
ولقد بلغ بالسلف إفراط توقيهم وتصونهم من ذلك أن قال عمرو بن شرحبيل: «لَوْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَرْضَعُ عَنْزَاً فَضَحِكْتُ مِنْهُ لَخَشِيتُ أَصْنَعُ مِثْلَ الَّذِي صَنَعَ»([3]).
ولقد جاء في السنة المطهرة ما يشير إلى مثل ذلك ، فقد أخرج الترمذي ، والطبراني في الأوسط ، والبيهقي في الشعب ، وابن أبي الدنيا في الصمت عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَيَّرَ أَخَاهُ بِذَنْبٍ ، لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَعْمَلَهُ»([4]).
وأخرج الترمذي ، والطبراني ، والبيهقي ، عَنْ وَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لأَخِيكَ ، فَيُعَافِيَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيَكَ»([5]). وفي رواية :« فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيكَ» .
وأخرج البيهقي في الشعب ، وابن عساكر في التاريخ ، عن يحيى بن جابر ، قال : «مَا عَابَ رَجُلٌ قَطُّ بِعَيْبٌ إِلاَ ابْتَلاَهُ اللهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْعَيْبِ»([6]) .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى([7]):
يحتمل أن يريد أن تعييرك لأخيك بذنبه ، أعظم إثما من ذنبه وأشد من معصيته ، لما فيه من صولة الطاعة وتزكية النفس وشكرها والمناداة عليها بالبراءة من الذنب ، وأن أخاك باء به ، ولعل كسرتُه بذنبه وما أحدث له من الذلة والخضوع والإزراء على نفسه والتخلص من مرض الدعوى والكبر والعجب ووقوفه بين يدي الله ناكس الرأس خاشع الطرف منكسر القلب ، أنفع له وخير من صولة طاعتك وتكثرك بها والإعتداد بها والمنة على الله وخلقه بها ، فما أقرب هذا العاصي من رحمة الله ، وما أقرب هذا المدل من مقت الله فذنب تذل به لديه أحب إليه من طاعة تدل بها عليه ، وإنك أن تبيت نائما وتصبح نادما خير من أن تبيت قائما وتصبح معجباُ ، فإن المعجب لا يصعد له عمل وإنك أن تضحك وأنت معترف ، خير من أن تبكي وأنت مدل ، وأنين المذنبين أحب إلى الله من زجل المسبحين المدلين ، ولعل الله أسقاه بهذا الذنب دواءً استخرج به داءً قاتلاً هو فيك ولا تشعر .
فلله في أهل طاعته ومعصيته أسرار لا يعلمها إلا هو ، ولا يطالعها إلا أهل البصائر، فيعرفون منها بقدر ما تناله معارف البشر ، ووراء ذلك مالا يطلع عليه الكرام الكاتبون .
قال بعض العارفين: لاَ تُحَقِّرْ أحداً منْ خلقِ اللهِ ، فإنهُ تَعَالَى ما احْتقَرَهُ حينَ خلقَهُ ، فلاَ يكونُ اللهُ يظهرُ العنايةَ بإيجادِ منْ أوجدَهُ مِنْ عدمٍِِ ، وتأتي أَنتَ تحتقرهُ فإنَّ ذلكَ احتقارٌ بِمَنْ أوجدَهُ وهُو مِنْ أكبَرِ الكَبَائرِ ([8]).
أخرج البيهقي عن ذي النون المصري قال:مِنْ صفةِ الحكيمِ: أَنْ يكونَ سلِسَ القيادةِ ، ليِّنَ العريكةِ ، مُحْتَمِلاً لجهلِ الجاهلِ .
وَإنَّ مِن شرفِ أخلاقِ الحكيمِ: التواضعُ للهِ بالخضوعِ والاستكانةِ ، وبهِ يُنالُ الشرفُ .
وَثَلاَثةٌ مِنْ أعْلاَمِ الرحمةِ: آثِرُوا العقلَ للملْهُوفِينَ ، وبكاءَ القلبِ لليتيمِ والمسكينِ ، وفقدانَ الشماتةِ بمصائبَ المسلمينَ .
وَثَلاَثةٌ مِنْ أعْلاَمِ النَّصِيحَةِ: إغمامُ القلبِ بمصائبَ المسلمينَ ، وبذلُ النَّصِيحَةِ لهم متجرعاً لمرارةِ ظُنونِهِمْ ، وإرشادُهم علَى مَصَالِحهم وإنْ جهَّلوه وكرِهُوه . انتهى ([9]).
وقد أخرج الإمام أحمد ، والبخاري ، ومسلم ، والترمذي ، وأبو داود ، والبيهقي ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ، لاَ يَظْلِمُهُ ، وَلاَ يَخْذُلُهُ ، وَلاَ يَحْقِرُهُ ، التَّقْوَى هَاهُنَا -وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ ، دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ»([10]) .
قال ابن رجب الحنبلي([11]):
قوله صلى الله عليه وسلم:«بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ» يعني : يكفيه مِنَ الشرِّ احتقارُ أخيه المسلم ، فإنَّه إنَّما يحتقرُ أخاه المسلم لتكبُّره عليه ، والكِبْرُ من أعظمِ خِصالِ الشَّرِّ ، وفي صحيح مسلم عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال : « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ».
وفيه أيضاً عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال :«الْعِزُّ إِزَارُهُ ، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ ، فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ» .
فمنازعته الله تعالى صفاته التي لا تليقُ بالمخلوق ، كفى بها شراً .
وفي صحيح ابن حبان عن فَضالة بنِ عُبيدٍ ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قال: «ثلاثة لا يُسأل عنهم : رجلٌ يُنازعُ اللهَ إزارَه ، ورجلٌ يُنازعُ اللهَ رداءَه ، فإنَّ رداءَه الكبرياءُ ، وإزارَه العزُّ ، ورجلٌ في شكٍّ من أمرِ اللهِ تعالى والقُنوطِ من رحمةِ اللهِ».
وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ ، فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ» .
قال الإمام مالك: إذا قال ذلك تحزُّناً لما يرى في الناس ، يعني في دينهم فلا أرى به بأساً ، وإذا قال ذلك عُجباً بنفسه ، وتصاغُراً للناس ، فهو المكروهُ الذي نُهي عنه . ذكره أبو داود في سننه .
قال سيدي محمد بهاء الدين الرواس في برقمة البلبل([12]):
الآدميون مكرمون على الله ، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ ﴾ [الإسراء: 70] ، هذه التكرمة عامة في النوع ، ولهم مراتب قال تعالى: ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾ [الرخرف: 32]، وإني لا أحتقر ذرة آدمية عظمت أو حقرت لأن طي التكرمة يمكن أن يكون مشتملاً على نشرٍ في تلك الذرة التي يحتقرها الشخص، فإذا بدا ذلك النشر بعد حين وجلا إبَّان ما قام فيه ، بقي للمحتقر الخجل والخسران ، وكيف تحتقر ذرة من نوع ، ومن ذلك النوع الأنبياء والمرسلون عليهم الصلاة والسلام ، والصديقون والعلماء العاملون.
ومنهم العارفون ، والأولياء الحكميون ، والمهيمون ، والوالهون ، والمطويون في ستر المحبوبية تحت قباء الغيرة فلا يعرفهم سواه سبحانه وتعالى ، ومنهم المتصرفون في وفيك ، وفي عوالم الأكوان ، والنائبون بإذن الله عن نبي الرحمن صلى الله عليه وسلم.
ومن وصايا سيدي أحمد الرفاعي رضي الله عنه([13]):
أيها السالك إياك ورؤية النفس ، إياك والغرور ، إياك والكبر ، فإن كل ذلك مهلك .
ما دخل ساحة القرب من استصغر الناس واستعظم نفسه ، من أنا ومن أنت ؟
أي أخي: كل واحد منا مسيكين ، أوله مضغة وآخره جيفة ، شرف هذا العرض جوهر العقل ، العقل ما عقل النفس ، وأوقفها عند حدها ، فإذا لم يكن عقل المرء عاقلاً لنفسه موقفاً لها عند حدها في أخذها وردها فليس بعقل ، وإذا حرم المرء الجوهر ذهب شرفه ، وبقي عرضاً ثقيلاً كثيفاً لا يليق لمرتبة عزيزة ولا لمنصب نفيس ، وإذا تم عقله وكمل صار الحكم فيه للجوهر المحض ، فصلح أن يكون على تيجان الملوك والأكاسرة .
*************************
([1]) تفسير القرطبي [16 / 325] . ([2]) اقتحمه: احتقره وازدراه . ([3]) تفسير القرطبي [16 / 325] . ([4]) سنن الترمذي [4 / 661 ، (2505)] ، المعجم الأوسط [7 / 191، (7244)] ، شعب الإيمان [5 / 293 ، (6697)] ، الصمت [ص: 169 ، (288)] . ([5]) سنن الترمذي [4 / 662 ، (2506)] ، المعجم الكبير [22 / 53 ، (127)] ، المعجم الأوسط [4 / 110 ، (3739)] ، شعب الإيمان [5 / 315 ، (6777)] . ([6]) شعب الإيمان [5 / 315 ، (6776)] ، تاريخ دمشق [64 / 105] . ([7]) مدارج السالكين [1 / 177] . ([8]) فيض القدير [ 4 / 21] . ([9]) شعب الإيمان [7 / 523 ، (11209)] . ([10]) صحيح البخاري [2 / 862 ، (2310)] ، صحيح مسلم [4 / 1986 ، (2564)] ، سنن أبي داود [2 / 690 ، (4893)] ، سنن الترمذي [4 / 34 ، (1426)] ، مسند أحمد بن حنبل [2 / 277 ، (7713)] ، شعب الإيمان [5 / 280 ، (6660)] ، سنن البيهقي الكبرى [6 / 92 ، (11276)] . ([11]) جامع العلوم والحكم ص: 334 ، دار المعرفة ، بيروت ، الطبعة الأولى . ([12]) مجموعة رسائل راحة الأرواح وغيره [ ص:228] ، طبعة دار الكتب العلمية . ([13]) البرهان المؤيد [ص: 29] .
| |
|
| |
محب السيد الرواس الإدارة
الجنس : عدد المساهمات : 1055 نقاط : 1693 تاريخ الميلاد : 09/01/1987 تاريخ التسجيل : 07/09/2010
| موضوع: رد: خطورة السخرية والاستهزاء الجمعة نوفمبر 12, 2010 8:54 pm | |
| | |
|
| |
الراوي أعضاء الشرف
الجنس : عدد المساهمات : 93 نقاط : 126 تاريخ الميلاد : 01/09/1991 تاريخ التسجيل : 23/09/2010
| موضوع: رد: خطورة السخرية والاستهزاء السبت نوفمبر 13, 2010 3:59 am | |
| جزاك الله عنا كل خير أخي أبو بهاء وجعله في صحيفة اعمالك
اللهم أني أسألك بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندك تقبل منه الدعوات
وارفع له الدرجات ..واقضى له الحاجات .. اقضى عنه التبعات ..
وأسكنه أعلى الجنان .. وأبح له النظر إلى وجهك الكريم في حضرات المشاهدات ..
وأجعله مع الذين أ،عمت عليهم من النبين والصديقين والشهداء والصالحين أهل المعجزات ..
وأرباب الكرامات .. وهب له ولنا العفو والعافية مع الطف في القضاء آميـــــــــــــــــــن | |
|
| |
| خطورة السخرية والاستهزاء | |
|