رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ
من كان شأنه طلب العلم ومكاثرة أهله . فليعلم أن للعلم جلالةً وبهاءً
إذا روعِيت شرائطه ،
وإلاَّ فتذهب بهجته ورونقه ، وتزول هيبة أهله من الصدور،
لأن من الناس من يكون عالم اللسان جاهل القلب ،
فكن أيها الأخ حسن الطلب للعلم ، محافظاً على شرائطه وآدابه تجد حلاوته ، وتستضيء بنوره ،
وتستثمر جناه في الدنيا قبل الآخرة ولا يكن طريقك في العلم القيل والقال ، وتبكيت المحاذي ،
وتلمُّح عثراته ؟ فإن هذا شأن المرذولين ، وحاصل من لا همة له ؟ لأن العلم الذي خوطب العباد به رحمة وراحة ،
فإذا نحِي به الخصام والمغالبة صار عذاباً وتعبأ ، فاقتد في علومك بطريقة السلف الماضين الذين قالوا:
إذا أعجبك الكلام فاسكت ،وإذا أعجبك السكوت فتكلم!
فقد ورد:
(( إن للعلم طغياناً كطغيان المال )) ،
فاحذر العجب في الكلام ؟ فإنه رذيلة تُمقِتُك عند العقلاء ،
وينبغي لك أن يكون عليك الوقار والسكينة ،
والسمت الحسن في أنحائك ومقاصدك .
واعلم أن العلم يورث العالي انكساراً والدنيء ترفعاً ، فكم جاهل قد غلب عالماً فقهره ، واستظهر عليه تمويها وقحة ويكون ذلك من العالم توقراً وحياء ، ومن الجاهل رعونة وبذاءةً!
فوا عجباً كم يدَّعي الفضلَ ناقصٌ ...ووا أسفاه كم يظهر النقصَ فاضل
إذا وصف الطائي بالبخل مــاذرٌ ...وعيَّـرقِسّاً بالفهاهة باقـــــــــــــــل
وقال السُّها للشمس أنت خفيــــة ...وقال الدُّجـــى للصبح لونُكِ حائلُ
وفاخرتِ الأرض السماء سفاهة ...وجادلتِ الشهبَ الحصى والجنادل
فيا موت زُر إن الحياة ذميمـــة ...ويــــانفس جدي إن دهرك هازل
ولمّا رأيت الجهل في الناس فاشياً ...تجاهلت حتى ظُنَّ أني جاهــــــلُ
ومنه قول آخر :
ولربما حزن اللبيـــــــب لسانـــــه ..... حذر الجواب وإنه لمفوَّهُ
ولربما نطق الغبي فتنافســـــــت ..... فيه العيون وإنه لمموِّهُ
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
تعلموا العلم ، وتعلموا للعلم الوقار والحلم ، وتواضعوا لمن تعلمون منه ، وليتواضع لكم من تعلمون ، ولا تكونوا من جبابرة
العلماء فلا يقوم علمكم مع جهلكم .
وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه :
تعلموا العلم تُعرفوا به ، واعملوا به تكونوا من أهله. فإنه سيأتي من بعدكم زمان يذكر فيه الحق تسعة أعشارهم ، وإن هذا زمان
لا ينجو فيه إلاّ كل مؤمن نؤمه ، إن شهد لم يعرف
وإن غاب لم يفقد ،أولئك مصابيح الهدى ،
وأعلام السرى ليسوا بالمساييح ولا المذاييع النذر ،
أولئك يفتح الله لهم أبواب رحمته ،
ويكشف عنهم ضراء نقمته .
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
((عن الأغلوطات )) ،
قال العلماء : هي المسائل الدقاق الصعبة . وفي الحديث :
(( شرار أمتي الذين يتبعون الأغلوطات لِيغموا بها عباد الله))
والحمد لله رب العالمين
منقول من كتاب
إيضاح أسرار علوم المقربين
للغزالي