أبو بهاء مشرف القسم الصوفي
الجنس : عدد المساهمات : 56 نقاط : 83 تاريخ الميلاد : 10/05/1971 تاريخ التسجيل : 27/10/2010
| موضوع: الإمام الشوكاني والتصوف الأحد أكتوبر 31, 2010 1:50 am | |
| قال في أبجد العلوم نقلاً عن الشوكاني([1]) :
اعلم أن معنى التصوف المحمود يعني: علم الباطن هو الزهد في الدنيا حتى يستوي عنده ذهبها وترابها . ثم الزهد فيما يصدر عن الناس من المدح والذم ، حتى يستوي عنده مدحهم وذمهم . ثم الاشتغال بذكر الله وبالعبادة المقربة إليه ، فمن كان هكذا فهو الصوفي حقاً وعند ذاك يكون من أطباء القلوب فيداويها بما يمحو عنها الطواغيت الباطنية من الكبر والحسد ، والعجب والرياء ، وأمثال هذه الغرائز الشيطانية التي هي أخطر المعاصي وأقبح الذنوب.
ثم يفتح الله له أبواباً كان عنها محجوباً كغيره لكنه لما أماط عن ظاهره وباطنه في غشاوة صار حينئذ صافياً عن شوب الكدر مطهراً عن دنس الذنوب ، فيبصر ويسمع ويفهم بحواس لا يحجبها عن حقائق الحق حاجب ، ولا يحول بينها وبين درك الصواب حائل ، ويدل على ذلك أتم دلالة ، وأعظم برهان ما ثبت في صحيح البخاري وغيره من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: « مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بارزته بالمحاربة، وفي رواية: فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بمثل ما افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَلا زَالَ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، فبي يسمع ، وبي يبصر، وبي يبطش ، وبي يمشي ، وَلَئِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ ؛ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ ؛ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ، ولا بُدَّ لَهُ مِنْهُ »([2])
ومعلوم أن من كان يبصر بالله سبحانه ويسمع به ويبطش به ويمشي به ، له حال يخالف حال من لم يكن كذلك ، لأنها تنكشف له الأمور كما هي ، وهذا هو سبب ما يحكى عنهم من المكاشفة ، لأنه قد ارتفع عنهم حجب الذنوب ، وذهب عنهم أدران المعاصي .
وغيرهم من لا يبصر ولا، يسمعه به ولا يبطش به ولا يمشي به لا يدرك من ذلك شيئا، بل هو محجوب عن الحقائق ، غير مهتد إلى مستقيم الطريق ، كما قال الشاعر:
وكيف ترى ليلى بعين ترى بها******** سواها وما طهرتها بالمدامع وتلتذ منها بالحديث وقد جرى****حديث سواها في خروق المسامع أجلك يا ليلى عن العين إنما ***أراك بقلب خاشع لك خاضعا
وأما من صفا عن الكدر وسمع وأبصر فهو كما قال الآخر :
ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه****من المسك كافورا وأعواده رندا وما ذاك إلا أن هندا عشية****تمشت وجوت في جوانبه بردا
ومما يدل على هذا المعنى الذي أفاده حديث أبي هريرة ، حديث: «اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ([3])، فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ([4])» وهو حديث صححه الترمذي، فإنه أفاد أن المؤمنين من عباد الله يبصرون بنور الله سبحانه، وهو معنى ما في الحديث الأول من قوله صلى الله عليه وسلم: فبي يبصر.
فما وقع من هؤلاء القوم الصالحين من المكاشفات هو من هذه الحيثية الواردة في الشريعة المطهرة، وقد ثبت أيضاً في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه في هذه الأمة محدثين وإن منهم عمر بن الخطاب.
ففي هذا الحديث فتح باب المكاشفة لصالحي عباد الله وأن ذلك من الله سبحانه فيحدثون بالوقائع بنور الإيمان الذي هو من نور الله سبحانه فيعرفونها كما هي حتى كان محدثا يحدثهم بها ويخبرهم بمضمونها.
وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقع له من ذلك الكثير الطيب في وقائع معروفة منقولة في دواوين الإسلام، ونزل بتصديق ما تكلم به القرآن الكريم ، فمن كان من صالحي العباد ، متصفاً بهذه الصفات ، متسماً بهذه السمات ، فهو رجل العالم ، فرد الدهر، وزين العصر، والاتصال به مما تلين به القلوب ، وتخشع له الأفئدة ، وتنجذب بالاتصال به العقول الصحيحة إلى مراضي الرب سبحانه، وكلماته هي الترياق المجرب ، وإشاراته هي طب القلوب القاسية ، وتعليماته كيمياء السعادة ، وإرشاداته هي الموصلة إلى الخير الأكبر، والكرمات الدائمة التي لا نفاذ لها ولا انقطاع.
ولم تصف البصائر ، ولا صلحت السرائر ، بمثل الاتصال بهؤلاء القوم ، الذين هم خيرة الخيرة ، وأشرف الذخيرة، فيا لله قوم لهم السلطان الأكبر على قلوب هذا العالم يجذبونها إلى طاعات الله سبحانه ، والإخلاص له ، والاتكال عليه ، والقرب منه ، والبعد عما يشغل عنه ، ويقطع عن الوصول إليه ، وقل أن يتصل بهم ويختلط بخيارهم إلا من سبقت له السعادة ، وجذبته العناية الربانية إليهم ، لأنهم يخفون أنفسهم ويظهرون في مظاهر الخمول ، ومن عرفهم لم يدل عليهم ، إلا من أذن الله له ولسان حاله يقول كما قال الشاعر[5]:
وكم سائل عن سر ليلى كتمته *** يقولون خبرنا فأنت أمينها بعمياي عن ليلى بعين يقين *** وما أنا إن خبرتهم بأمين
فيا طالب الخير ، إذا ظفرت يدك بواحد من هؤلاء الذين هم صفوة الصفوة ، وخيرة الخيرة ، فاشددها عليه واجعله مؤثَراً على الأهل والمال ، والقريب والحبيب والوطن والسكن ، فإنا إن وزنَّا هؤلاء بميزان الشرع ، واعتبرناهم بمعيار الدين، وجدناهم أولياءَ اللهِ الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، وقلنا لمعاديهم أو للقادح في عليِّ مقامهم أنت ممن قال فيه الرب سبحانه كما حكاه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وقد آذنته بالحرب »لأنه لا عيب لهم إلا أنهم أطاعوا الله كما يحب ، وآمنوا به كما يحب ، ورفضوا الدنيا الدنية وأقبلوا على الله عز وجل في سرهم وجهرهم وظاهرهم وباطنهم.
وبالجملة فمن أراد أن يعرف أولياء هذه الأمة ، وصالحي المؤمنين المتفضل عليهم بالفضل الذي لا يعدله فضل ، والخير الذي لا يساويه خير ، فليطالع الحلية لأبي نعيم، وصفوة الصفوة لابن الجوزي ، فإنهما تحريا ما صح وأودعا كتابيهما من مناقب الأولياء المروية بالأسانيد الصحيحة ما يجذب بعضه بطبع من يقف عليه إلى طريقتهم والإقتداء بهم.
وأقل الأحوال أن يعرف مقادير أولياء الله وصالحي عباده ويعلم أنهم القوم الذين لا يشقى بهم جليسهم ، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» ، فمحبة الصالحين قربة لا تهمل ، وطاعة لا تضيع، وإن لم يعمل كعملهم ولا جهد نفسه كجهدهم . انتهى .
**************** ([1]) أبجد العلوم : جزء 2 - صفحة 372 .
([2]) : قال ابن كثير في تفسيره ( 2 / 764 )
فمعنى الحديث أن العبد إذا أخلص الطاعة صارت أفعاله كلها لله عز وجل فلا يسمع إلا لله ولا يبصر إلا لله أي ما شرعه الله له ولا يبطش ولا يمشي إلا في طاعة الله عز وجل مستعينا بالله في ذلك كله .
([3]) قال في فيض القدير : الكامل الإيمان كما أشار إليه بعض الأعيان
([4]) قال في فيض القدير : الذي شرح به صدره إذ النور إذا دخل القلب استنار وانفسح وأفاض على اللسان وظهرت آثاره على الأركان .
([5]) قال الأحوص الأنصاري : وَمُستَخبِرٍ عَن سِرِّ لَيلى رَدَدتُهُ بِعَمياءَ مِن رَيّا بِغَيرِ يَقينِ
عدل سابقا من قبل أبو بهاء في الأحد أكتوبر 31, 2010 9:59 pm عدل 1 مرات | |
|
محب السيد الرواس الإدارة
الجنس : عدد المساهمات : 1055 نقاط : 1693 تاريخ الميلاد : 09/01/1987 تاريخ التسجيل : 07/09/2010
| موضوع: رد: الإمام الشوكاني والتصوف الأحد أكتوبر 31, 2010 8:45 pm | |
| ولست أعطي هذا الاسم إلا فتى **** صفا فصوفي فسمي الصوفي | |
|