|
| عدالة الصحابة رضي الله تعالىعنهم أجمعين | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
محب السيد الرواس الإدارة
الجنس : عدد المساهمات : 1055 نقاط : 1693 تاريخ الميلاد : 09/01/1987 تاريخ التسجيل : 07/09/2010
| موضوع: عدالة الصحابة رضي الله تعالىعنهم أجمعين الأربعاء نوفمبر 17, 2010 7:50 pm | |
| قبل أن نخوض في إثبات عدالة الصحابة رضي الله عنهم من خلال الكتاب والسنة وآراء العلماء, أرى من المناسب أن نتحدث عن معنى العدالة من حيث اللغة والاصطلاح وتوضيح الفرق بينها وبين العصمة ثم نتحدث عن الأشياء التي بها فُضّل الصحابة على غيرهم, بالله التوفيق. أولاً:- تعريف العدالة العدالة في اللغة مشتقة من العدل ضد الجور... ورجل عدل أي رضا ومقنع في الشهادة. وتعديل الشيء تقويمه .. وتعديل الشهود أن تقول أنهم عدول. والعدالة في الاصطلاح عرفها ابن حجر بقوله إنها ملكة تحمل على ملازمة التقوى. والمراد بالتقوى اجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة) ولعل هذا التعريف هو المختار عند علماء الحديث. فالعدالة بهذا المنظور لا تعني أن يكون الإنسان معصوماً, ونحن لا نريد أن نصل بالصحابة إلى مرتبة العصمة, إذ لا يجوز لنا أن ندعيها لغير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وقد فهم العلماء هذه الحقيقة, فقد روى الخطيب البغدادي بسنده إلى إمام التابعين سعي بن المسيب أنه قال: (ليس من شريف ولا عالم ولا ذي سلطان إلا وفيه عيب, لابد , لكن من الناس مّن لا تُذكر عيوبه. من كان فضله أكثر من نقصه, وهب نقصه لفضله). فإذا صدر من أحد الصحابة ذنب, فلا يعني هذا خروجه من دائرة العدالة لأن مقومات العدالة لا تنص على عدم إتيان الذنوب, كما تنص العصمة على ذلك. فكل من كان مسلماَ بالغاً عاقلاً سالماً من أسباب الفسق, سالماً من خوارم المروءة فهو جدير بتعديل المعدلين, ولا يضره بعد ذلك أن تكون له هنّات وزلات, فالزلة لا تسقط بها العدالة كما نص على ذلك أبو حاتم الرازي.
ثانياً: بمَ فُضّل الصحابة على غيرهم. لا شك أن علماء الأمة عليهم رضوان الله تعالى كانوا عالمين أن الصحابة يمتازون عن غيرهم بأمور استحقوا بها أن يسجل الله سبحانه وتعالى تعديلهم في الذكر الحكيم ليبقى في صدور المؤمنين وعلى أطراف ألسنتهم ما دامت السموات والأرض. ومن أجل أن نتعرف على الأمور التي استحق بها الصحابة رضي الله عنهم هذه المنزلة, يجدر بنا أن نتعرف أولاً على الأسس التي يتفاضل العاملون بموجبها في أعمالهم بشكل عام, ثم نتعرف على نصيب الصحابة من تلك الأسس لكي نكون على بينة من أمرنا. ومن أجــل أن لا يظن ظان أن العلماء ربما بالغوا حينما قالوا بتعديل الصحابة رضوان الله عليهم وتفضيلهم على مَن سواهم.
وجوه التفاضل بين الناس لقد رد ابن حزم رحمه الله أسباب التفاضل بين العاملين إلى سبعة أوجه: (الوجه الأول:- الماهية, وهي أن تكون الفروض في أعمال أحدهما موافاة كلها, ويكون الآخر يضيع بعض الفروض وله نوافل... الوجه الثاني:- الكمية وهي العرض, فان يكون أحدهما يقصد بعمله وجه الله لا يمزج به شيئاً البتة ويكون الآخر يساويه في جميع عمله, إلا أنه ربما مزج بعمله شيئاً من حب الترقي في الدنيا, وأن يستدفع بذلك الأذى عن نفسه. الوجه الثالث:- الكيفية, فان يكون أحدهما يوفي عمله جميع حقــوقه ورتبه لا منتقصاً و لا مزيداً ويكون الآخر ربما انتقص بعض رتب ذلك العمل وسننه, وان لم يعطل منه فرضاً. الوجه الرابع:- الكم, فان يستويا في أداء الفرض, ويكون الآخر أكثر نوافل, فيفضله هذا بكثرة عدد نوافله. الوجه الخامس: الزمان, فكمن عمل في صدر الإسلام, أو في عام المجاعة, أو في وقت نازلة بالمسلمين, وعمل غيره بعد قوة المسلمين أو في زمن رخاء وأمن... الوجه السادس:المكان, كصلاة في المسجد الحرام ومسجد المدينة, فهما أفضل من ألف صلاة فيما عداهما... الوجه السابع:- الإضافة, فركعة من نبي أو معه, أو صدقة من نبي, أو صدقة معه, أو ذكر من نبي أو ذكر معه, أو سائر أعمال البر منه ومعه: فقليل ذلك أفضل من كثير الأعمال بعده). (أ.هـ) هذه هي وجوه التفاضل بين الناس ولننظر الآن ما نصيب الصحابة رضوان الله عليهم من هذه الوجوه. إذا دققنا النظر في الوجوه التي ذكــرناها آنفاً, جدنا أن الوجه الخامس والوجه السابع لا يشارك الصحابة فيه أحد البتة. فهم الذين آمنوا حين كفر الناس, وهم الذين أنفقوا حين بخل الناس, وهم الذين جاهدوا حينما كانوا قلة يخافون أن يتخطفهم الناس فما زادهم ذلك إلا إيماناً. ومن أجل هذا قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مُد أحدهم ولا نصيفه). وقال تعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ قال ابن حزم معلقاً على هذه الآية الكريمة: (وهذا في الصحابة فيما بينهم فكيف لمن بعدهم معهم رضي الله عنهم). هذا بالنسبة للوجه الخامس. أما الوجه السابع من وجوه التفاضل وهو الإضافة: فان الصحابة رضي الله عنهم وحدهم الذين كانت أعمالهم مقترنة مع رسول الله ?, صلاتهم وحجهم وجهادهم وسائر عباداتهم, وفي هذا منزلة وشرف تتطلع إليه الأعناق ولا يناله إلا من آتاه الله حظاً عظيماً, لذا فإن أي عمل يقوم به الصحابي بعد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يوازي شيئاً من عمل البر الذي عمله ذلك الصحابي نفسه مع رسول الله ?. وكذلك يمتاز الصحابة عن غيرهم ممن جاء بعدهم بإيمانهم العميق وإخلاصهم العمل لله سبحانه وتعالى, وهو الوجه الثاني من وجوه التفاضل التي ذكرناها آنفاً, وفي هذا الصدد يقول ابن تيمية محتجاً لرأي عبدالله بن المبارك وأحمد بن حنبل في تفضيل كل فرد في الصحابة على كل فرد ممن جاء بعدهم: (ومن حجة هؤلاء: أن أعمال التابعين وإن كانت أكثر وعدل عمر بن عبدالعزيز أظهر من عدل معاوية وهو أزهد من معاوية لكن الفضائل عند الله بحقائق الإيمان الذي في القلوب, وقد قال النبي ? لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه, قالوا: نحن نعلم أن أعمال بعض من بعدهم أكثر من أعمال بعضهم, لكن من أين نعلم أن ما في قلبه من الإيمان أعظم مما في قلب ذلك الصحابي ... وقال أبو بكر بن عياش: ما سبقهم الصديق بكثرة صلاة ولا صيام ولكن بشيء وقر في قلبه) ثم هم لم يقصرا فيما تبقى من وجوه التفاضل فقد كانوا حريصين على أن يتمثلوا برسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في كل صغيرة وكبيرة من شؤون حياتهم, فما أجدرهم أن ينالوا ما نالوا وما أجدرنا باحترامهم وإنزالهم المنزلة التي رضيها لهم رب العالمين. وفوق كل هذا فالصحابة رضي الله عنهم هم نقلة السنة النبوية والشهود على الرسالة السماوية, وهم الذين نذروا أنفسهم في سبيل نشر هذه الرسالة التي امتزجت بها دماؤهم وأرواحهم مما يوجب لهم فضلا عظيما على كل من جاء بعدهم, لأن الله تعالى جعلهم سبباً في هداية غيرهم, مما يدخلهم في قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من علّم علماً فله أجر من عمل به لا ينقص من أجر العامل). وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجروه شيئاً. ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً) .
| |
| | | محب السيد الرواس الإدارة
الجنس : عدد المساهمات : 1055 نقاط : 1693 تاريخ الميلاد : 09/01/1987 تاريخ التسجيل : 07/09/2010
| موضوع: رد: عدالة الصحابة رضي الله تعالىعنهم أجمعين الأحد نوفمبر 21, 2010 11:39 pm | |
| ثالثاً: عدالة الصحابة رضي الله تعالى عنهم في القران الكريم: القرآن هو كتاب الله, كلمته الهادية لأهل الأرض, وهو المقياس الذي يتفاضل الناس في دينهم بمدى تمسكهم بتعاليمه واهتدائهم بهديه, فلا يعد مؤمناً-بإجماع الأمة- من يرى جواز مخالفته لقوله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا, إذن فلا يسع المسلم بأي حالٍ من الأحوال إلا أن يسلم قلبه ولبه لله تعالى في كل ما ورد من تشريعات سواء أكانت بنص الكتاب أم على لسان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم . وقد وردت في القرآن الكريم آيات كثيرة تتحدث عن الصحابة الكرام مشتملة على مكارم كثيرة منحها الله تعالى لهم, بما قدموا من أموالهم وأنفسهم في سبيل نصرة دين الله . وهذه الآيات من الكثرة والصراحة بحيث لا يستطيع أحد معها أن ينال من صحابي إلا من كان ناقص الإيمان, مريض القلب والعياذ بالله تعالى. فمن هذه الآيات قوله تعالى: ( لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ , و قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ , وأكثر العلماء على أن المراد بهذه الآية هم المخاطبون عند نزول الوحي وهم صحابة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما نص على ذلك الخطيب وابن حجر. ومنها قوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . ومنها قوله تعالى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا , وقوله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا , و قوله تعالى: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ. ولو لم يأت ذكر الصحابة رضي الله تعالى عنهم في القرآن الكريم إلا في هذه الآيات الثلاث لكانت كافية لهم في الدنيا والآخرة, كافية لمن يأتي بعدهم في اتخاذ الموقف النبيل تجاه من أكرمه الله تعالى اقراراً بأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ويمنعه عمن يشاء. والمؤمن الحق حين يرى قافلة الإيمان تمضي عليه أن يبذل جهده ليكون في الطليعة فإن لم ينل ذلك فلا أقل من أن يتمنى أن يصل إلى مرتبتهم وأن يلقى الله ومحبتهم في قلبه, وينزع الغل والحسد والبغضاء لركب المؤمنين الأوائل. و قوله تعالى: ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) و قوله تعالى: ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) وقال جل شأنه في حق المهاجرين: فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ . ويقول تعالى شاهداً لهم بالإيمان الحق: وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ . ثم يذكر الله تعالى بشارته لعامة الصحابة رضي الله تعالى عنهم المنفق منهم قبل الفتح والمنفق بعده فيقول جل ذكره: : لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. و قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا . وقد ذكر تعالى الصحابة رضي الله تعالى عنهم في مواضع كثيرة قارناً ذكرهم بذكر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفي هذا تشريف لهم أيما تشريف, وقد بلغت هذه الآيات من الكثرة ما يطول بنا ذكرها, لذا سنكتفي بذكر طرف منها فإن فيه كفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد. من هذه الآيات قوله تعالى: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ . و قوله تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . و قوله تعالى: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ . و قوله تعالى: لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . و قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ . و قوله تعالى: بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا . و قوله تعالى: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا? . و قوله تعالى في هجرة الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم : يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمِْ . هذا بالنسبة للصحابة رضي الله تعالى عنهم بشكل عام من دون أن نتبع الآيات التي وردت في أشخاص بعينهم لأن ذلك سيطول بنا. ولا يفوتنا أن نذكر تعديل الله تعالى لزوجات رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حيث يقول تعالى: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا . ويقول أيضاً : يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ. فإذا كانت نساء النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اكتسبن هذه الخصوصية بحكم معاشرتهن لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم , فإن الصحابة رضي الله تعالى عنهم بحكم جهادهم وكفاحهم مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد اكتسبوا خصوصية ترتفع بهم عن مستوى جميع من سواهم, وهذا كله راجع إلى منزلة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عند الله , تلك المنزلة التي بلغت أن أقسم تعالى بعمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حيث قال: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ, وأن نوّه بأخلاقه الرفيعة فقال: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ . وبعد هذه الآيات المباركات لا أظن مسلماً يعتز بإسلامه وإيمانه يستطيع أن يطلق للعنان لينال من تلك المقامات الرفيعة التي اختارها الله تعالى لتكون الشاهد على كتابه, إذ بهم أوصل الله دينه إلينا فهم معية رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسوؤه ما يسوؤهم ويسره ما يسرهم, وهم الذين جاهدوا في الله حق جهاده باذلين أنفسهم وأموالهم غير مكترثين بذلك. وهذه الآيات ملزمة لكل المسلمين باتخاذ موقف سليم تجاه الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم لأن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ . والله سبحانه وتعالى قد عدّلهم وأمرنا بنزع الغل من صدورنا عن المؤمنين الذين سبقونا بالإيمان, فلا يسعنا بعد هذا أن نزنهم كما نشاء, أو كما تهوى أنفسنا إن كنّا صادقين في دعوانا بأنا مسلمون منقادون لأمر الله جل جلاله ومعتزون بكتابه ومهتدون بهدي نبي .
رابعاً : عدالة الصحابة رضي الله تعالى عنهم في السنة النبوية لقد اشتملت السنة النبوية على أحاديث كثيرة تشهد بفضل الصحابة رضي الله تعالى عنهم وتنص على احترامهم وإكبارهم, والأحاديث التي تتحدث عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم على نوعين: الأول يذكر الصحابة رضي الله تعالى عنهم بشكل عام دونما تخصيص والنوع الثاني يمثل خصوصيات لبعض إفراد الصحابة رضي الله تعالى عنهم المحيطين برسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو الذين لهم مواقف معلومة أو صفات معينة. ولا يسعنا في هذه الرسالة أن نتصدى لجميع تلك الأحاديث لأنها كما قلنا آنفاً كثيرة جداً إلى حد أن صنّف العلماء الأوائل فيها مصنفات كبيرة, فقد ذكر الإمام أحمد بن حنبل في كتابه (فضائل الصحابة ) ما يقارب الألفي حديث من تلك النصوص, لكننا سنكتفي بذكر طرف يسير منها, فإن مَن لا يكتفي بالقليل ولا يذعن لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من خلال ما صح عنه منها لن يجدِ معه الكثير مهما بلغ عدده. ومن تلك النصوص قوله : فيما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه : (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه). وعنه رضي الله تعالى عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقولون هل فيكم من صاحب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ؟ فيقولون نعم فيفتح لهم, ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ؟ فيقولون نعم فيفتح لهم. ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيقولون نعم فيفتح لهم) . وعن أبي بردة عن أبيه قال: قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم : (النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد, وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون, وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون) . وعن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ( خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة ثم إن بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن). وعن عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته). وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه يقول: خرج علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: اللهم ارحم خلفائي, قلنا يا رسول الله , ومن خلفاؤك؟ قال الذين يأتون من بعدي يرون أحاديثي وسنتي ويعلمونها للناس). وعن بريدة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم : (ما من أحد من أصحابي يموت بأرض إلا بُعث قائداً ونوراً لهم يوم القيامة). وعن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم : (لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة). وعن عبدالله بن مغفل المزني رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم : (الله الله في أصحابي لا تتخذوهم بعدي غرضاً فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم, ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه). وعن عبدالله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه قال: شكى عبدالرحمن بن عوف خالد بن الوليد فقال رضي الله تعالى عنه : لم تؤذِ رجلاً من أهل بدر؟ لو أنفقت مثل أحد ذهباً لم تدرك عمله, فقال: يا رسول الله يقعون فيّ فأرد عليهم فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تؤذوا خالد فإنه سيف من سيوف الله صبه على الكفار) . هذا طرف من الأحاديث الكثيرة التي تشير إلى مكانة الصحابة رضي الله تعالى عنهم عند الله تبارك وتعالى وعند نبيه الكريم صلوات الله وسلامه عليه. وهذه الأحاديث منها ما هو صحيح متفق على صحته كما رأيت ومنها ما هو حسن موافق لماء جاء في كتاب الله العزيز في بيان مكانة الصحابة رضي الله تعالى عنهم ومد الله تعالى لهم وإكرامه إياهم وثناؤه عليهم.
| |
| | | محب السيد الرواس الإدارة
الجنس : عدد المساهمات : 1055 نقاط : 1693 تاريخ الميلاد : 09/01/1987 تاريخ التسجيل : 07/09/2010
| موضوع: عدالة الصحابة رضي الله تعالى عنهم في أقوال علماء الأمة وسلفها الصالح: السبت نوفمبر 27, 2010 2:24 pm | |
|
خامساً : عدالة الصحابة رضي الله تعالى عنهم في أقوال علماء الأمة وسلفها الصالح: بعد أن عرضنا جانباً من الآيات القرآنية الكريمة التي شهدت للصحابة رضي الله تعالى عنهم بحسن السريرة وعلو المنزلة وثنينا بعد ذلك بطائفة من الأحاديث النبوية الشريفة التي تمجد الصحابة رضي الله تعالى عنهم , أرى من المناسب أن نقتبس بعض الأنوار من خلال الأقوال الكثيرة لعلماء الأمة وسلفها الصالح التي قيلت بحق الصحابة رضي الله تعالى عنهم, لنعلم كيف كان سلف الأمة وعلماؤها يتعاملون مع النصوص النبوية إذا وردت في مسألة من المسائل. فقد روى الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما قوله: (لا تسبوا أصحاب محمد فلمقام احدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره). وعن نسير بن ذعلوق قال: سمعت ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يقول: ( لاتسبوا أصحاب محمد فلمقام أحدهم ساعة خير من عبادة أحدكم أربعن سنة). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( لا تسبوا أصحاب محمد فان الله عز وجل قد أمر بالاستغفار لهم وهو يعلم أنهم سيقتتلون). وعن ميمون بن مهران قال: (ثلاث ارفضوهن: سب أصحاب محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والنظر في النجوم والنظر في القدر). وعن سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى انه قال: (من طعن في أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فهو صاحب هوى). وقال الإمام أبو زرعة الرازي : (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فاعلم أنه زنديق, لأن الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عندنا حق والقرآن حق وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهو زنادقة). وقال النووي في التقريب: (الصحابة رضي الله تعالى عنهم كلهم عدول من لابس الفتن وغيرهم بإجماع من يعتد به). وقال ابن حجر: (اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة). وقال ابن عبدالبر في الاستيعاب: (فهم خير القرون وخير أمة أخرجت للناس ثبتت عدالتهم جميعهم بثناء الله عز وجل ورسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم . وقد كان سلفنا الصالح على درجة كبيرة من احترام الصحابة رضي الله تعالى عنهم وتقديرهم حتى أنهم عدوا من طعن في أي صحابي مرتكباً لأكبر الفواحش والكبائر, فهذا الإمام النووي يقول بهذا الصدد: (واعلم أن سب الصحابة رضي الله تعالى عنهم حرام من فواحش المحرمات ... ) ويقول في موضع آخر: ( وسب أحدهم من المعاصي الكبائر). وقد بلغ من إنكارهم أنهم كانوا يرون تعزير من يقع فيهم كما هو رأي الجمهور. بل إن الإمام مالكاً رحمه الله يرى قتل من قال بضلال أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم. وقال القاضي أبو يعلى) مَن قذف عائشة مما برأها الله منه كفر بلا خلاف وحكى الإجماع على هذا غير واحد) . وقال ابن عباس رضي الله عنهما موضحاً دور الصحابة رضي الله تعالى عنهم وجهادهم في نشر الإسلام وإرساء دعائمه: ( إن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه خص نبيه محمدا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بصحبة آثروه على الأنفس والأموال وبذلوا النفوس دونه في كل حال ووصفهم في كتابه فقال: رحماء بينهم فقاموا بمعالم الدين وناصحوا الاجتهاد للمسلمين حتى تهذبت طرقه وأسبابه وظهرت آلاء الله واستقر دينه, ووضحت أعلامه وأذل الله بهم الشرك وأزال رؤوسه ومحا دعائمه وصارت كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى فصلوات الله ورحمته وبركاته على تلك النفوس الزاكية والأرواح الطاهرة العالية, فقد كانوا في الحياة أولياء وكانوا بعد الموت أحياء وكانوا لعباد الله نصحاء وصلوا إلى الآخرة قبل إن يصلوا إليها وخرجوا من الدنيا وهم بعد فيها) فإذا كان ابن عباس رضوان الله عليه- وهو من هو بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم- ينظر إليهم بعين الإجلال هذه ويحتفظ لهم في قلبه بهذه المنزلة الرفيعة فما أحرانا نحن بأن نحترمهم ونتولاهم ونتقرب إلى الله بحبهم. وقد أدرك هذه الحقيقة شيخ من شيوخ الزيدية في اليمن وهو الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة بن سليمان بن حمزة وهو من علماء القرن السابع نقل ذلك عنه عالم الزيدية في القرن التاسع عشر السيد عمرو بن إبراهيم بن المرتضى الوزير (757- 840) في كتابه (الروض الباسم) فذكر طبقة الدهماء من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وعوامهم فقال: ( إن أكثرهم تساهلاً في أمر الدين ممن يتجاسر على الإقدام على الكبائر لاسيما معصية الزنا... وذلك دليل خفة الإيمان ونقصان الديانة لكنا نظرنا في حالهم فوجدناهم فعلوا ما لا يفعله من المتأخرين إلا أهل الورع الشحيح والخوف العظيم, ومن يضرب بصلاحه المثل, ويتقرب بحبه إلى الله عز وجل وذلك أنهم بذلوا أرواحهم في مرضاة رب العالمين وليس يفعل ذلك إلا من يحق له منصب الإمامة من أهل التقوى واليقين) . أي أن أقل الصحابة رضي الله تعالى عنهم تمسكاً بهدي الإسلام ممن قد يقعون في حدود الله وسرعان ما يستيقظ ضميرهم فيعترفون ولو كان في اعترافهم ذهاب حياتهم مما يرفعهم إلى استحقاق منصب الإمامة, فكيف بكبار الصحابة رضي الله تعالى عنهم الذين طهرهم الله من كل الأدران الخبيثة إنهم شريحة يصعب على البشر تصورهم. وهاهو سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه يذكر أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يذكر أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مقارناً بينهم وبين شيعته فيقول: ( لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فما رأيت أحداً يشبههم منكم! لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً وقد باتوا سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم وخدودهم ويقفون على مثل الحجر من ذكر معادهم كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجوهم اذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب ورجاء الثواب). ويقول أيضاً في حقهم مقارناً بينهم وبين شيعته آسفاً على ذهابهم: ( أين القوم الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه وقرءوا القرآن فأحكموه وسلبوا السيوف أغمادها وأخذوا بأطراف الأرض زحفاً زحفاً وصفاً صفاً بعض هلك وبعض نجا ولا يبشرون بالأحياء و لا]يُعزون عن الموتى, مره العيون من البكاء خمص البطون من الصيام ذبل الشفاه من الدعاء صفر الألوان من السهر, على وجوههم غبرة الخاشعين أولئك خواص الذاهبون فحق لنا أن نظمأ اليهم ونفض الأيدي على فراقهم.). وقد ذكر الشيخ إحسان آلهي ظهير أن المجلسي روى في كتابه "حياة القلوب" عن الآلوسي رواية موثوقة عن علي رضي الله عنه أنه قال لأصحابه: ( أوصيكم في أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم , لا تسبوهم فإنهم أصحاب نبيكم وهم أصحابه الذين لم يبتدعوا في الدين شيئاً ولم يقروا صاحب بدعة, نعم أوصاني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في هؤلاء...). ولا شك أن شهادةً مثل شهادة علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه لها طعم خاص وثقل مميز خصوصاً اذا كان الرواة لها ممن يطلقون ألسنتهم لتنال من الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم , ثم يدعون بعد ذلك تمسكهم بهدي أهل البيت رضوان الله عليهم. ولا نريد أن ننقل المزيد من أقوال السلف في حق الصحابة رضي الله تعالى عنهم ففيما نقلناه كفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد. هذه هي منزلة الصحابة رضي الله تعالى عنهم عند علماء الأمة, وهم لم ينالوها بكسبهم وإنما هي هبة من الله وفضل حباهم بها واصفاهم لها. و لاشك أن العلماء لم ينطلقوا من فراغ في تكريمهم لكل من صح أن يطلق عليه اسم الصحبة, فهم بهذا يكونون قد اقتدوا بالصــحابة أنفسهم, فإنهم كانوا يرون أن للصحبة فضلاً لا يعد له فضل. قال ابن حجر: ( وقد كان تعظيم الصحابة رضي الله تعالى عنهم ولو كان اجتماعهم به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قليلاً , مقرراً عند الخلفاء الراشدين وغيرهم, فمن ذلك قرأت في كتاب (أخبار الخوارج) تأليف محمد بن قدامة المروزي بخط بعض من سمعه منه في سنة سبع وأربعين ومائتين قال: حدثنا علي بن الجعد قال حدثنا زهير وهو الجعفي عن الأسود بن قيس عن نبيح العنزي قال كنت عند أبي سعيد الخدري ... قال: كنا عنده وهو متكئ فذكرنا علياً ومعاوية, فتناول رجل معاوية فاستوى أبو سعيد الخدري جالساً ثم قال: كنا ننزل رفاقاً مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فكنا في رفقة فيها أبو بكر فنزلنا على أبيات وفيهم امرأة حبلى ومعنا رجل من أهل البادية فقال للمرأة الحامل أيسرك أن تلدي غلاماً, قالت نعم, قال: إن أعطيتني شاةً ولدت غلاماً, فأعطته فسجع لها اسجاعاً ثم عمد إلى الشاة فذبحها و طبخها وجلسنا نأكل منها ومعنا أبو بكر فلما علم بالقصة قام فتقيأ كل شي أكل, قال ثم رأيت ذلك البدوي أتي به عمر بن الخطاب وقد هجا الأنصار, فقال لهم عمر: لولا أن له صحبة من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما أدري ما نال فيها لكفيتكموه ولكن له صحبة من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) . وقال ابن كثير: (قال الزبير بن بكار: حدثني أخي هارون بن أبي بكر عن يحيى بن إبراهيم عن سليمان بن محمد عن يحيى بن عروة عن عمه عن عبدالله بن عروة قال: أقحمت السنة بني جعدة فدخل على عبدالله بن الزبير المسجد الحرام فأنشده هذه الأبيات: حكيت لنا الصــــديق لما وليتها وعثمان والفــاروق فارتاح معدم وسويت بين الناس في الحق فاستووا فعاد صبــاحاً حـالك اليوم مظلم أتاك أبو ليلى يجـوب به الرجـــا دجا الليــل جواب الفلاة غشعشم لتـجير منــه جـــائيا غدرت به صروف الليالي والزمان المصمصم فقال ابن الزبير: هون عليك أبا ليلى فإن الشعر أهون رسائلك عندنا... ولكن لك في مال الله حقان: حق لرؤيتك رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وحق لشركتك أهل الإسلام في فيئهم) . أرأيت كيف جعل عمر الصحبة مانعاً من إنزال العقوبة في مستحقها وجعلها ابن الزبير سبباً في استحقاق سهم آخر من مال المسلمين؟.
******************
| |
| | | محب السيد الرواس الإدارة
الجنس : عدد المساهمات : 1055 نقاط : 1693 تاريخ الميلاد : 09/01/1987 تاريخ التسجيل : 07/09/2010
| موضوع: رد: عدالة الصحابة رضي الله تعالىعنهم أجمعين الأربعاء ديسمبر 15, 2010 1:03 pm | |
| عدالة الصحابة رضي الله تعالى عنهم من خلال سيرتهم وأحوالهم العطرة: بعد أن أتينا على الجوانب الثلاثة الماضية من أدلة عدالة الصحابة رضي الله تعالى عنهم رأيت أن أختم هذا الفصل بذكر طرف من شمائلهم العظيمة وأخلاقهم الرفيعة وحرصهم على التمسك الكامل لمنهج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعزوفهم عن الفتن وتمكن المحبة في قلوبهم وغير ذلك مما يشكل دليلاً قوياً من أدلة عدالتهم رضوان الله عليهم ونبراساً وضاءً للأمة الإسلامية تستضيء به على مر العصور إذا ما اشتدت دياجير الظلام يوما.
• اقتداؤهم المطلق بالرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لقد كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم يعلمون أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما أرسل بشيراً نذيراً فكانوا يتمثلون به في كل أحوالهم فـ( قد ثبت أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يحث أمته على التمسك بسنته ويحذرهم من مخالفتها وأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يمتثلون أمره في ذلك ويقتدون به ويتبعونه في جميع أقواله وأفعاله وسائر أحواله ويعتبرون أن كل ما يصدر منه فهو حجة يلزمهم إتباعها) . مع أن قدرة الصحابة رضي الله تعالى عنهم على الاستنباط من كتاب الله مباشرة اكبر من قدرات من جاء بعدهم بحكم تمكنهم من صهوة اللغة أيما تمكن, لكنهم كانوا عالمين أن القرآن الكريم لا يستقيم فهمه إلا من خلال صنوه – السنة النبوية-. وقد وردت الآثار الكثيرة بهذا الشأن وسنورد بعضها فيما يلي: فهذا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول مخاطباً الحجر الأسود: ( والله إني لأعلم أنك حجر ولو لم أر حبيبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قبلك أو استلمك ما استلمتك ولا قبلتك) . وعن علي بن ربيعة قال: رأيت علياً أتي بدابة ليركبها فلما وضع رجله في الركاب قال: باسم الله فلما استوى عليها قال: الحمد لله. سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ثم حمد الله ثلاثاً ثم كبر ثلاثاً ثم قال سبحانك لا اله إلا أنت قد ظلمت نفسي فاغفر لي. ثم ضحك. فقلت ضحكت يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل مثل ما فعلت ثم ضحك فقلت لم تضحك يا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ؟ قال: تعجب الرب من عبده إذا قال اغفر لي , ويقول علم عبدي انه لا يغفر الذنوب غيري). وعن مجاهد قال: كنا مع ابن عمر في سفر فمر بمكان فحاد عنه فسئل لم فعلت؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل هذا ففعلت). وقد بلغ من تمسك الصحابة رضي الله تعالى عنهم بالنسبة النبوية أنهم كانوا ينكرون أشد الإنكار على من لا يعمل بها وإن كانوا آباءهم أو أبناءهم أو عشيرتهم. ولا شك في ذلك فهم الذين فارقوا المال والولد في سبيل الدين. من ذلك ما روي عن عبدالله بن مغفل أنه كان جالساً والى جنبه أبن اخ له فخذف فنهاه وقال ان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى عنها وقال إنها لا تصيد صيداً ولا تنكيء عدواً وإنها تكسر السن وتفقأ العين. قال فعاد ابن اخيه يخذف. فقال: أحدثك أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى عنها ثم عدت تخذف لا أكلمك أبداً) ( ). وروى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: أتخذ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خاتماً من ذهب فاتخذ الناس خواتيم من ذهب. فقال النبي ? إني اتخذت خاتماً من ذهب, فنبذه فقال: إني لن ألبسه أبدأ. فنبذ الناس خواتيمهم( ). روى ابن عبدالبر عن عبدالله بن رواحة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: اجلسوا, فجلس في الطريق فمر به رسول الله ? فقال: ما شأنك؟ فقال سمعتك تقول: أجلسوا, فجلست فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم : زادك الله طاعة( ). بل إن بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم أو من كان يعيش معهم من المخضرمين ممن لا يذكرهم التاريخ لأنهم لم يكونوا يطلبون الذكر والمباهاة في الدنيا من وراء إعمالهم – أقول أن منهم من كان على درجة كبيرة من التمسك بهدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى شهد لهم كبار الصحابة رضي الله تعالى عنهم في ذلك. فقد ذكر الذهبي في ترجمته لعمرو بن الأسود أن عمر بن الخطاب قال في حقه : من أحب أن ينظر إلى هدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلينظر إلى هدي عمرو بن الأسود( ) فمن يعرف عمراً هذا في التاريخ مع أنه كان على هذه الدرجة من السلوك الحسن, أن عدم شهرته تدل على أن المجتمع حينذاك كان بمجموعه على مثل هذه الدرجة الرفيعة فلو كان سلوكه فريداً بين أقرانه لكان من المشهورين منهم . من خلال هذه الآثار التي أوردناها نستطيع أن نقول كما كانت السنة النبوية بمجموعها بياناً وتفسيراً للقران فان الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا بمجوعهم يمثلون حياة الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بحكم اقتداءهم به, فأي إغفال لجانب من حياة الصحابة رضي الله تعالى عنهم هو إغفال لجانب من حياة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأنه قد بلغ من اهتداءهم به ? أنهم كانوا يفعلون ما يفعل ويتركون ما يترك دون أن يعلموا لذلك سبباً أو يسألوه عن علته أو حكمه( ). فكن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مثلهم الأعلى وقدوتهم المثلى , كانت أعمالهم صورة لأعماله وأحوالهم مظهراً لأحواله فكان احترامهم احتراماً له والتعريض بهم تعريض به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بل اعتراض على أقواله الآمرة باحترامهم ومودتهم.
• خلو نفوسهم من العداوة والبغضاء لا شك أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم بشر عاشوا حياتهم كما عاش غيرهم يفرحون ويحزنون ويختلفون مع غيرهم في وجهات النظر لكنهم اختلفوا عن غيرهم في أن ما كان بينهم لم يصل إلى أن يحقد بعضهم على بعض, فكانوا قدوة لمن بعدهم في كل شيء : في سلمهم وحربهم , في جدهم ومرحهم , في رضاهم وغضبهم لأن الله أختارهم وجعلهم في موضع القدوة. والدارس لتاريخ الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم ممن لا يرضى لنفسه أن يصطاد في الماء العكر يعرف هذه الحقيقة جيداً , فهذا سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه حينما سمع بعض جنوده يسبون أهل الشام أبان معركة صفين على الرغم مما جرى بينه وبين أهل الشام الذين يقودهم معاوية قال: لا تسبوا أهل الشام فإن بها الأبدال فإن بها الأبدال( ). ( وأن علياً لما دار بين القتلى رأى طلحة بن عبيدالله فجعل يمسح التراب عن وجهه وقال: رحمة الله عليك أبا محمد, يعز علي أن أراك مجدولاً تحت نجوم السماء ثم قال: إلى الله أشكو عجري وبجري, والله لوددت أني كنت مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة( )). ثم قال ابن كثير( ): وروي من غير وجه أنه قال: إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير وعثمان ممن قال الله فيهم: ونزعنا ما في صدروهم من غل أخواناً على سرر متقابلين( )). صحيح أن عدداً يسيراً من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ربما قاتل بعضهم بعضاً لكن قتالهم كان من اجتهاد واعتقاد وتحر للحق وعزم على التمسك به. وهم يعلمون هذه الحقيقة لهذا لم يكن يقع بعضهم ببعض, بل كانوا على الرغم من هذا الخلاف على مودة عظيمة واحترام لا يتصوره كثير من الناس. وقد روى سعيد بن المسيب أن رجلاً كان يقع في طلحة والزبير وعثمان وعلي رضي الله عنهم فجعل سعد ينهاه ويقول: لا تقع في إخواني فأبى ,فقام فصلى ركعتين ثم قال: اللهم إن كان سخطاً لك فيما يقول فأرني اليوم فيه آية وأجعله للناس عبرة. فخرج الرجل فاذا ببختي يشق الناس فأخذه بالبلاط فوضعه بين كركرته والبلاط فسحقه حتى قتله. قال سعيد بن المسيب: فإني رأيت الناس يتبعون سعداً ويقولون: هنيئاً لك أبا اسحق أجيبت دعوتك. ( ولما قتل ابن جرموز الزبير بن العوام احتز رأسه وذهب به إلى علي ورأى أن ذلك يحصل به حظوة عنده فاستأذن فقال علي: لا تأذنوا له وبشروه بالنار). وكان الصحابة رضي الله تعالى عنهم على جانب كبير من الاتزان في الحكم على الأشياء فهم لا يبحثون عن الزلة لكي يسقطوا صاحبها من معيار العدالة. وفي هذا الصدد يقول الدكتور عبدالمتعال الصعيدي" ( الا ليت الناس يتعظون بما كان عليه السلف الصالح من ذلك التسامح الديني, فهذا قدامة يرتكب هذا الخطاً الظاهر (حينما شرب الخمر متأولاً) وينكر حكماً معلوما من الدين بالضرورة فلا يتخذ أحد ذلك وسيلة للتشهير عليه في دينه, بل يراعى له حسن قصده في ذلك الخطأ ويبقى له دينه سالماً لا يطعن عليه أحد ثم يكون هو الذي يغضب على عمر ويهجره, فيكون عمر هو الذي يسعى إلى استرضائه ومصالحته. إلا ليت الناس يتعظون بما كان عليه السلف الصالح من الاعتدال في دينهم فلا يميلون فيه إلى تفريط أو إفراط بل يأخذ قدامة بالحد من غير تفريط في دينهم ولا يضيق صدرهم بتأويله الخاطئ... ألا ليتنا نعرف ما كان لهذا الأثر فيما امتاز به عصرهم من الصراحة في الدين والصراحة في الرأي. وأن هذا وصل بهم إلى تلك القوة والعظمة, ووصل بهم إلى حد الكمال الذي قدر له. وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة, فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد علق نعليه بيده الشمال فلما كان الغد قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مثل مقالته أيضاً فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى فلما قام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تبعه عبدالله بن عمرو فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثاً فان رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت. قال: نعم , قال أنس فكان عبدالله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا تعارّ تقلب على فرشه ذكر الله عز وجل حتى صلاة الفجر, قال عبدالله: غير أني لم اسمعه يقول إلا خيرا فلما مضت الثلاث الليالي وكدت أحتقر عمله قلت: يا عبدالله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة ولكني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول لك ثلاث مرات يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث المرات فأردت أن أوى إليك فانظر ما عملك فاقتدي بك فلم أرك كبير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ؟ قال: ما هو إلا ما رأيت فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً و لا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه. فقال عبدالله: هذه التي بلغت بك. بهذه القلوب الصافية وبهذه العزائم الصادقة في البحث عن وسائل الفلاح استحق الصحابة رضي الله تعالى عنهم تلك المنزلة الرفيعة.
• ابتعاد جمهور الصحابة رضي الله تعالى عنهم عن الفتنة: على الرغم مما حدث بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم من فتن منذ أن قتل سيدنا عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه إلى أن تولى الخلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما, أقول : على الرغم من كل ذلك بقي جمهور الصحابة رضي الله تعالى عنهم محباً للعافية بعيدا ًعن خوض غمار الفتنة, فلم يشترك في قتل سيدنا عثمان من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أحد كما هو رأي جمهور العلماء ومن أضطر للولوج فيها إنما كان رائده الاجتهاد في طلب الحق وحرصه على تثبيت أركانه وإن أدى ذلك إلى أن تفيض روحه في سبيله. جاء في المنتقى من منهاج الاعتدال: وجمهور الصحابة رضي الله تعالى عنهم وساداتهم تأخروا عن الفتنة. روى أبو أيوب السختياني عن ابن سيرين قال: هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عشرة آلاف فما خف لها منهم مائة, بل لم يبلغوا ثلاثين. وقال منصور بن عبدالرحمن: قال الشعبي: لم يشهد الجمل من أصحاب النبي ? غير علي وعمار وطلحة والزبير, فإن جاءوا بخامس فانا كذاب – كأنه عنى من المهاجرين السابقين ( وهذا الاستدراك للذهبي) وقال عبدالله بن أحمد حدثنا أبي, حدثنا أمية بن خالد قال قيل لشعبة إن أبا شيبة روى عن الحكم عن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: شهد صفين من أهل بدر سبعون رجلاً. قال أبو شيبة كذب والله , ذاكرنا الحكم ما وجدنا شهد صفين من أهل بدر غير خزيمة بن ثابت , قلت ( القائل هو الذهبي) هذا النفي يدل على قلة من حضرها. ويقول ابن كثير بصدد قتل عثمان رضي الله تعالى عنه : ( ولما وقع هذا الأمر عظمه الناس جداً ولزم كثير من الناس بيوتهم). وعن عار بن سعد أن أخاه انطلق إلى سعد في غنم له خارج المدينة فلما رآه سعد قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب. فلما أتاه قال: يا أبت أرضيت أن تكون اعرابياً في غنمك والناس يتنازعون الملك بالمدينة؟ فضرب سعد صدر عمر وقال: اسكت فاني سمعت رسول الله ? يقول: (( إن الله يحب العبد التقي النقي الخفي)). ولما أشار بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم على عثمان بقتل هؤلاء الخارجين قال: (ان رحى الفتنة دائرة فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها).
• خلوهم من الكذب وللصحابة رضوان الله عليهم ميزة أخرى لم يكونوا ليفرطوا فيها وكان لها أثر كبير في حفظ السنة النبوية المطهرة, فقد كانوا صادقين في كل شؤونهم لا يكذبون مهما كانت الظروف مما جعل بعضهم يحدث عن بعض من دون أن يختلج في نفوسهم هاجس تكذيب بعضهم بعضا. فعن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه قال: ( ليس كلنا كان يسمع حديث النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقد كانت لنا صنعة وأشغال ولكن كان الناس لا يكذبون فيحدث الشاهد الغائب). وروي عن قتادة أن انس رضي الله تعالى عنه حدث بحديث فقال رجل: أسمعت هذا من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ؟ قال نعم أو حدثني من لم يكذب , والله ما كنا نكذب ولاكنا ندري ما الكذب. فما يراد لكي يُعدل الرجل أكثر من حرص مطلق على السنة النبوية وقلب خالٍ تماماً من الأمراض والأهواء وصدق ليس له نظير, وكل هذه الصفات كانت قائمة في الصحابة رضي الله تعالى عنهمعلى أكمل وجه وأحسنه. ولو أردنا أن نتعرض لصفات الخير كلها لما وسعنا المجال ففقد كانوا يشدون الرحال أياماً وأسابيع وراء حديث يبلغهم عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لكي يسمعوه ممن سمعه من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مباشرة وكانوا يبذلون أموالهم وأرواحهم في سبيل الله راضية نفوسهم بذلك, أفلا يستحقون أن يكونوا عدولاً بعد كل هذا؟. وبعد أن تعرضنا لأدلة عدالة الصحابة رضي الله تعالى عنهم من الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة ومن خلال سيرتهم وسجاياهم هل يسع أحداً بعد كل هذا أن يتناول الصحابة بلسانه وقلمه مدعياً النزاهة والمنهجية العلمية ولست أدري منذ متى كانت المنهجية قائمة على السباب والطعن الفاحش من غير بيان ولا برهان. إننا لكي ندعي الالتزام بمنهج الإسلام يجب أن نكون عالمين أن (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) وأن المسلم يجب أن يلتمس لأخيه العذر مهما كان الذي بدر منه ما لم يكن كفراً بواحاً. وفي هذا الصدد يقول ابن تيمية رحمه الله : (فإن باب الإحسان إلى الناس والعفو عنهم مقدم على باب الإساءة والانتقام ... فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة فإذا كان هذا في حق آحاد الناس فالصحابة أولى أن يسلك بهم هذا فخطأ المجتهد في الإحسان إليهم بالدعاء والثناء عليهم والذب عنهم خير من خطئه في الإساءة إليهم باللعن والذم والطعن وما شجر بينهم غايته أن يكون ذنباً والذنوب مغفورة بأسباب متعددة هم أحق بها ممن بعدهم. وما نجد أحداً يقدح فيهم إلا ويعظم من هو دونهم ولا نجد أحداً يعظم شيئاً من زلاتهم إلا وهو يغض عما هو أكبر من ذلك من زلات غيرهم وهذا من أعظم الجهل والظلم) .
| |
| | | | عدالة الصحابة رضي الله تعالىعنهم أجمعين | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |