سيّدنا يوسف عليه السلام وزليخه
سيّدنا يوسف نبي ورسول، ما اختلف أحد في رسالته، والعلماء على الإطلاق يقولون: النبيّ معصوم والعارف محفوظ، الفرق بين المعصوم والمحفوظ: المحفوظ عنده استعداد أن يقع لكن الحق يحفظه، أما الرسول فما عنده استعداد للوقوع بتاتاً، ولا يعرف الشيء المخالف ألبتّة! لماذا ؟ لأنّه خُلِق طيباً، طينته طيبة، وبقي طيباً، اسمه معصوم، كل نبي يحب الحق ويبغض الباطل أينما وجد، الله يقول { إنه من عبادنا المخلَصين } [يوسف 24] لا المخلِصين! المخلَص: الله استخلصه من الموجودات.. المخلَصين بفتح اللام أعلى من المخلِصين بكسر اللام لأن المخلَص لا يشهد له وجوداً مع الله سبحانه، والمخلِص يشهد له وجوداً مع الله، قال تعالى: { إلاّ عبادك منهم المخلَصين} [الحجر40] .
سيّدنا يوسف (عليه السلام ) كان من المحبوبين! وما ابتلي سيّدنا يعقوب بمثل ما ابتلي سيّدنا يوسف! فأكثر ما ابتلي سيّدنا يعقوب بفقد سيّدنا يوسف، لكن سيّدنا يوسف: بالبئر أولاً..ثمّ بالسجن..وبقي إلى يومنا هذا ما خلص من الناس {ولقد همّت به وهمّ بها } [يوسف 24] هذه الآية تبقى إلى يوم القيامة، سيّدنا يعقوب معذور! ما كان إكرامه لابنه سيّدنا يوسف من حيث كونه يحبه أمّه جديدة أو أجمل! لا لا بل كان سيّدنا يعقوب بمجرد ما ينظر إلى سيّدنا يوسف فالحق يتجلّى عليه التجلي الأتمّ والأكمل، ولما يرى إخوته لا يأتيه إلاّ التجلي الكامل والتام! إلاّ يوسف، لماذا؟ لأن يوسف محبوب و شخصية بارزة، عالٍ عند الله كثيراً جداً، فسيّدنا يعقوب كان يحب يوسف لا لكونه ابنه! ا..الأنبياء ما هم خائنين، حاشاهم! إذا لم يكن الأنبياء أهل العدل فمن هم أهل العدل!؟؟ لما فقد منه يوسف بكي حتى ابيضت عيناه ما بكى على يوسف! وإنما بكى على المرتبة التي فقدت منه بفقدان يوسف، حقه أن يبكي! وأنا أبكي على بكائه! دليل ذلك لما جاءه قميصه ارتد بصره.. افهموا افهموا القرآن، الأنبياء أعلى وأتمّ، الأنبياء بالشهود دائماً في الشهود الإلهي.. إخوة سيّدنا يوسف ما فهموا هكذا! فهموا بأن أباهم يحب أولاد الجديدة يوسف وأخاه بنيامين، لا.. فسيّدنا يعقوب عليه السلام رسول، والرسول معصوم، والمعصوم كامل لا يمكن أن يقع منه شيء مخالف للإنسانية ولا ذرّة.
يا عيني يا مفسرون! ألستم مؤمنين؟ يقولون: نعم، إيمانكم بماذا يوحي إليكم؟ أما يقول لكم: أن الأنبياء معصومون ؟ يقولون: نعم! إذاً فكيف تقولون همّ؟ العارف لا يهم! فكيف النبيّ يهم؟ وكلّه كمال كلّه طهارة كلّه أدب؟ كيف تقولون هكذا؟ أما عندكم نور؟ أما عندكم تقوى؟ أما بكم حقيقة؟!.
خالفوا عقيدتهم! الّذي يتكلّم على سيّدنا يوسف وسيّدتنا زليخة جاهل! وحتى الألفاظ العربية اللغوية لا تعطي هذا المعنى أبداً ألبتّة، لأن الهمّ لا يكون إلاّ بالضرب اوالبطش، هذا هو الهمّ، لا بالسقوط والسفالة! سيّدتنا زليخة كانت شخصيتها أكبر الشخصيات في زمانها، أكبر من شخصية زوجها! زوجها العزيز تحت أمرها! لا يقدر أن يخالفها لأنّها صاحبة شخصية، علم، ومال، وكل شيء فيها، وكانت تهيمن على نساء الوزراء أجمع، ما كان زوجها يعبئ دماغها فلما رأت سيّدنا يوسف عليه السلام انجذبت إليه، حاشاها تطلب الزنا، طلبته لا للزنا لا واللهِ! لأن صاحب الشخصية لا يعرف السقاطة، والرسول صلى الله عليه وسلم لما سألته الحرائر: أو تزني الحرة يا رسول الله؟ ولو كان صحيح أنها تريد الزنا كيف يتزوجها سيّدنا يوسف عليه السلام؟ ليس معقولاً أن تطلب الزنا ثمّ يتزوجها! ليس معقولاً ألبتّة! كانت تحبّ سيّدنا يوسف! رأت نور النبوّة وهي لا تعرف النبوّة رأت اللطافة رأت الكمال، هذا الّذي أخذ لبها قهرها رغماً عن أنفها!.
تريده أن يجلس ويحكي معها وتغلّق الأبواب حتى تسأله لأنّها سيّدته وهو خادمها، إيّاكم أن تسيئوا الظن بسيّدتنا زليخة إياكم! زليخة لا تعرف الزنا، تريده هو، مع أنها كافرة لا تفهم الحرام والحلال! وسيّدنا يوسف لا يقدر؛ لأنّه يعتقد هذا ظلماً فلا يجوز! الرجل لا يقعد مع المرأة إلاّ بمقدار خاص مثل الطبيب مع المريضة، قال لها { إنه لا يفلح الظالمون! } [الأنعام 135] أنا لا أقدر، أبي يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، رسول ابن رسول... هذا العمل لا يصير (أي هذا العمل لا يصح ولا يقع) كيف تطلبين مني أن أجلس معك في بيت وحدنا؟ هذا لا أملكه هذا لرب العالمين، وهي لا تعرف الحلال والحرام، وهو صاحب شخصية من عدا الحرام والحلال، الرجل صاحب الشخصية لا يلمس امرأة أبداً ، الرسول صلى الله عليه وسلم ما لمس امرأة ولا حين المبايعة، بكلامه يبين لهم عليه الصلاة والسلام، حتى ملّلها سيّدنا يوسف عليه السلام لا مرّة ولا مرّتين..لما ملّلها قالت له: أنت غلامي آمرك فلا تأتمر؟ أذهبـْتَ لي سيادتي! ورفعت يدها لتضربه! همت أن تبطش به لأنّها تطالبه فلا يوافقها، رفع يده ليقابلها بالمثل ليضربها لأنّه عزيز لا يعمل مخالفات، شخصية بارزة {الرجال قوّامون على النساء..} (النساء 34) ولو كانت هي سيّدته {لولا أن رأى برهان ربه} (يوسف 34) افهموا البرهان، قال الله لسيّدنا يوسف: ما تصنع يا يوسف؟
قال: يا رب، امرأة تريد أن تضربني وأنا رجل!
قال له: لا يا يوسف! هذه محبة لك، وهي معذورة، لا عقل لها ألبتّة! حب وعقل لا يجتمعان، تريدك أنت وتطلب منك طلباً معقولاً! لكن الحق معك لكونك شرعياً!
قال له: يا رب، فماذا أعمل إذن؟
قال له: اهرب! ما لك إلاّ أن تهرب من وجهها {فاستبقا الباب} (يوسف 25) فهرب.. ركض مثل ما قال له الله تعالى! فلحقته، لكن الله سلّمه منها، لقوّة ركضه وقوّة سحبها تمزق الثوب بيدها! وإذا بالعزيز يفتح الباب! وحين دخل العزيز رأى هذه الحالة!.. والعزيز عنده خبر، لكن العزيز مؤمن بسيّدنا يوسف عليه السلام بصدقه وإخلاصه ونـزاهته، ويؤمن بزوجته زليخة مؤمن بإخلاصها ونـزاهتها وعفتها { قالت: ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلاّ أن يسجن أوعذاب أليم؟! قال: هي راودتني عن نفسي! } هي التي تطالبني {يوسف، أعرض عن هذا } (يوسف 29) دخيلك استرنا! لا تفضحنا، لا تحكِ أمام الناس، أنا العزيز عزيز مصر، وهذه زوجتي {يوسف، أعرض عن هذا } ثمّ توجه إليها وقال: {واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين} (يوسف 29) ..
وهؤلاء اللاتي قطّعن أيديهن جاءت بهن فتنة حتى تفهمهن من تحبّ!.. جئن خمس دقائق.. وأعطت كل واحدة سكينة وتفاحة لتقشرها { قالت: اخرج عليهن } (يوسف 31) فلما خرج عليهن {قطّعن أيديهن!} ما بقي عندهنَّ عقل أبداً { قلن: حاش لله! ما هذا بشراً! إن هذا إلاّ ملَك كريم! } (يوسف 31) ما هذا بشراً ما هذا بشراً ما هذا بشراً!..انظروا: ما لاحظن جماله الصوري، بل لاحظن الجمال الإلهي، سيّدنا دحية الكلبي كان جميلاً، لا لا! {قلن: حاش لله! ما هذا بشراً إن هذا إلاّ ملَك كريم } (يوسف 31) هنالك كلّهن وافقنها! وهي صار لها عنده سنوات.. لا قطّعت يدها ولا عملت شيئاً! كل هذا وهي آمرة وناهية، إذن عندها قوّة عندها شخصية .
سيّدتنا زليخة في آخر عمرها لما كبرت في السن وعميت وأنفقت مالها (كانت غنية كثيراً) تقول لهم: بالله خذوني محل ما يكون يوسف! قال لها سيّدنا يوسف: يا زليخة كيف حالكِ؟ قالت له: أنا على ما أنا عليه! قال لها: أما تتزوجيني!؟ قالت له: لا! أين أنا منك؟ قال: الحق عزّ وجلّ أمرني! قالت: نفّذ أمر ربك!..
قال لي واحد: أنت محامٍ عن يوسف طيب لا مانع! أمحامي عن زليخة؟ قلت له: نعم! لماذا؟ لأنّها صارت زوجة لسيّدنا يوسف عليه السلام، لا أرضى أحداً أن يتكلّم عليها كلام واطٍ، لا أرضى أبداً أبداً، لو أنها قد طلبت منه الزنا فحاشاك يا سيّدنا يوسف أن تأخذ واحدة طالبة الزنا، لا.. بل كانت تطلبه لذاته، لا لجماله الصوري، بل لجمال شخصيته، وهذه تأخذ القلب! نحن لما كنا بالسير ما الّذي يجذبنا للرسول صلى الله عليه وسلم؟ ليس جماله الصوري، بل جماله الّذاتي، قلت لهم: الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ لبي، ما أخذ قلبي في الوجود غير الرسول صلى الله عليه وسلم لا من حيث كماله، لا من حيث شجاعته، لا من حيث كرمه.. لا! كان لا يتكلف بذلك، الشجاعة عادية والكرم عادي. اللهم لا تجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أرنا الدنيا بالعين التي أريت إياها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومن كَمُل من أهل بيته وأصحابه وتابعيهم والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين آمين اللهم آمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم، والحمد لله رب العالمين .