أشكركم أيها الأفاضل ، وعذراً لعدم الإتقان في وضع الموضوع
وهذا القسم الأخير من باب الكرامات لسيدي الرواس كما في طي السجل :
إثبات الكرامة للأولياء
وأنكر رجل كرامات الأولياء وأنه لا تصريف للولي بعد الموت ، فسئل عن ذلك العلامة الشريف محمد البليدي المالكي رحمه الله تعالى؟ فأجاب وأصاب وهنا ملخص ما قال:بسم الله الرحمن الرحيمحامداً مصلياً مسلماً ، كرامات الأولياء بعد الموت حق ، كما نص على ذلك المحققون من علماء المذاهب الأربعة ، والمتكلمون ، والقوم من أهل التصوف ، والمحدثون ، وغيرهم ، ودل عليه ما ثبت من أحوال الصحابة بعد الموت ، وغيرهم ، وإطلاقات النصوص ، فإن المقرر في الكلام أن القائل بإثبات الكرامات أهل السنة ، والقائل بنفيها أهل الاعتزال من غير تفصيل منهما بين حياة وموت ، وليس في مذهب مقدم من المذاهب الأربعه ، ولا في مؤخر علم الكلام قول بنفيها بعد الموت يلتفت إليه ، ويعول فيما هناك عليه ، فأين القيد حتى يحمل ذلك المطلق عليه؟ بل نص البخاري على " بدأ الأمالي " للقاضي الأُوشِي بضم الهمزة وكسر المعجمة على أن الخلاف بين الفريقين إنما هو في حال الحياة ، وبعد الموت ثابتة بالاتفاق ملخصاً بذلك تخصيص بدأ الأمالي ، يعني لأن التوجيه بالتباس الكرامة بالمعجزة الذي هو للمعتزلة إنما يقال في حال الحياة ، وقد مثل السعد في " شرح العقائد " لذلك بطيران جعفر الصحابي في الهواء يعني بعد الموت ، وإسناده على شرط مسلم كما في " المواهب " ، وفيه أيضاً إسناد جيد أن طيرانه بعد الموت بجناحين مع جبريل وميكائيل ، وساق التردد في أنهما كجناحي الطائر أولاً ، وحقق الأول وثبت بالنقل منع الدَّبر([1]) هذيلاً من أخذ رأس عاصم بن ثابت حين استشهد ، وكان قد برئ من مس المشركين ، واهتزاز العرش لموت سعد بن معاذ حقيقة على التحقيق ، وخفته في النعش مع جسامته ، وسماع الصحابي قراءة الميت سورة الملك ، فقال صلى الله عليه وسلم لما أخبر بذلك: «هِيَ الْمَانِعَةُ هِيَ الْمُنْجِيَةُ» كما رواه الحافظ المنذري في " الترغيب والترهيب ، عن الإمام الترمذي في سننه بسنده إلى ابن عباس إلى ذلك الصحابي ، قال شارحه الفيومي ورواه الحاكم أيضاً.ورؤية بعض الصحابة وبين يديه مصحف يقرأ فيه وأمامه روضة وفي وجهه جرح ، حين بحث في جانب قبره وكان من شهداء أحد ، نقله البيهقي في دلائل النبوة ، وأبو حيان في تفسيره .وضرب النور على قبر النجاشي حين مات وهو أول قبر وقع له ذلك([2]) .وقول سعيد بن جبير: أنا- والله الذي لا إله إلا هو- رأيت ثابتاً البناني قائماً يصلي في قبره حين دفنته ، فسقطت لبنة و وكان معي حميد الطويل ، نقله الحافظ السيوطي ، وكانوا إذا مروا بقبره يسمعون القرآن ، كما نص عليه أبو نعيم في الحلية ، عن إبراهيم بن علقمة عن أصحابه.وقول أبي حامد الحفار كما نقلة ابن مندة عنه: دخلت مقبرة نصف النهار فسمعت القراءة من القبور. وكان ثقة عدلاً.وقد نقل الملقب بشيخ الكل في الكل الشيخ القشيري في رسالته العباب من ذلك كالميت الذي مد يده اليمنى حين أراد الغاسل البداءة باليسرى. وقول المرأة للنباش الذي صلا عليها: مغفور له يسرق كفن مغفور له.وجفاف البحر لمن أرادوا رميه فيه حتى دفنوه ثم عاد.ونص الكرماني في شرح البخاري علي كرامته بعد موته.وكذلك القوماني في شرح مقدمة أبي الليث السمرقندي على كرامات أبي حنيفة بعد موته .ونص الإمام ابن حجر على أنه لا ينكرها بعد الموت إلا فاسد الاعتقاد مخذول ، وكذلك الإمام الرملي والسيد السمهودي والشيخ عبد الباقي المقدسي الحنفي في السيوف الصقال في إثبات كرامات الأولياء بعد الانتقال ، والمحقق شيخ الإسلام ابن الشحنة من الحنفية ، والشيخ أحمد الغنيمي خاتمة الحنفية المحققين ، وكان شافعياً قبل.ونص الحافظ السيوطي في حسن المحاضرة ، وسيدي عبد الوهاب في الطبقات على ثبوت تخليص الأسير لسيدي أحمد البدوي ناقلاً عن بعض أشياخه ، وأن تصرف الولي بعد موته إما بنفسه لقدرة الله تعالى ، وإما بواسطة ملك.وبالجملة فكراماتهم بعد الموت لا ينكرها إلا معاند ، ورجل جاهل بقواعد العقائد ، وبما تقدم من النصوص والفوائد ، وأما الاستدلال المذكور فلا يسعه فيه إلا أنه ينكر صدور ذلك منه.وقد نص الحافظ السيوطي كغيره على أنه صلى الله عليه وسلم متصرف بعد موته في العالم العلوي والسفلي ، حتى إنه وقع الخلاف في خروجه من قبره الشريف وفي كون ماله باقياً على ملكه بعد موته لكن لا يسمى ذلك بعد موته معجزة لفقد التحدي بل كرامة وآية ، وصح صلى الله عليه وسلم مرَّ ليلة الإسراء بموسى قائماً يصلي في قبره . وسماع ابن المسيب الأذان من القبر الشريف في وقعة الحرة.ونص المواهب وقد ثبت أن الأنبياء يحجون ويلبون. انتهى .وما ورد من حجب الأنبياء بعد الموت مدة ثم يتصرفون لم يثبت ، وقوله إن تخليص الأسير لم يقع لنبينا فكيف يقع لغيره عجيب لمنع الملازمة ولأن نبينا صلى الله عليه وسلم أعطي أعظم من ذلك ، فكان مستغنياً عن تخليص الأسير ، على أن جميع ما ثبت للأولياء من الكرامات هو في الحقيقة من راموز([3]) النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد نص السعد في شرح المقاصد على أن كرامات الأولياء تكاد تلحق بظهور معجزات الأنبياء ، وعلى أن اتصال الأرواح بعد الموت بأجسادها على قدر الاتصال بالله تعالى في الحياة ، يعني فكيف تكون الأولياء بعد الموت كالجمادات التي لا تسمن ولا تغني من جوع؟ وحينئذ فيجب نصح ذلك الرجل الخائض في بحر ليس هو أهلاً للخوض فيه ويتوب من ذلك ، ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ [النور/15] .والذي نقل عن نحو " الفتاوى البزازية " من كفر من قال أرواح المشايخ حاضرة تعلم ، فمعناه أنها تعلمه استقلالاً من غير إعلام الله تعالى بالكشف ، أو أنه خرج مخرج الزجر في إطلاق هذا القول من غير ذلك التفصيل ، كما نبه على ذلك الحافظ ابن حجر والشهاب في شرح الشفاء ، فقطعاً كلام البزازية على إطلاقه لا يُسَلَّم ، كما نبه على ذلك العلماء المحققون والحفاظ ، ولو فرض تسليم كلام نحو البزازية وأشار له الغزالي والعارض السماوي في سورة الجن ونصه: واستدل به على إبطال الكرامات ، وجوابه تخصيص الرسول بالملك والإظهار بما يكون بغير واسطة ، وكرامات الأولياء على المغيبات إنما يكون تلقياً من الملائكة كاطلاعنا على أحوال الآخرة ، فلا يستلزم ذلك نفي جميع كرامات الأولياء بعد الموت ، لأنه لا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم لكنه لا يسلم قطعاً ، بل يجوز للولي أن يدعي شيئاً من علم الغيب من غير تأثير واستقلال ، بل بإعلام الله تعالى له بطريق الكشف ، كما أن الكرمات له بعد الموت وقبل الموت بقدرته تعالى ، لأنها عامة التعلق بالممكنات بأسرها لا ينكر ذلك أحد من الأصحاب ، وعبارة الشهاب في شرح الشفاء ، والحق بالاتباع أحق.وأجاب شيخ مشايخ الإسلام ، علامة علماء الأنام ، جمال مذهب النعمان ، وجمان عقد الأوان ، أحمد الأسقاطي الحنفي بقوله: هذه المسألة أفردها المحققون من علماء المذاهب الأربعة بالتأليف منهم السيد أحمد الحموي ، والشيخ عبد الباقي المقدسي الحنفيان ، والشيخ أحمد العجمي الشافعي ، وحاصل كلامهم أن كرامات الأولياء حق ثابت بالكتاب والسنة.أما الكتاب فقصة مريم ، وصاحب سليمان عليهما السلام ، وأما السنة فما تواتر عن كثير من الصحابة ومن بعدهم بحيث لا يمكن إنكاره خصوصاً القدر المشترك ، وإن كانت التفاصيل آحاداً ، وكرامة الولي ظهور أمر خارق للعادة على يده ، فما لا يكون مقروناً بالإيمان والعمل الصالح يكون استدراجاً ، وما يكون مقروناً بدعوى النبوة يكون معجزة ، فالنبي لا بد من علمه بكونه نبياً بخلاف الولي ، فعلم بهذا أن الكرامة للولي لا تختص بحال الحياة فلا تنقطع بالموت ، بخلاف المعجزة للنبي حيث اعتبر في حقيقتها الاقتران بدعوى النبوة وقصد إظهارها عند تحدي المنكرين ، وحينئذ فما يظهر من الخوارق بعد موت الأنبياء يكون كرامة لا معجزة ، فمن أطلق عليها لفظ المعجزة فقد تسمَّح بخلاف كرامة الولي ، إذ لم يعتبر في حقيقتها دعوى الولاية ، إذ هي كما مر عبارة الأمر الخارق للعادة وهو الفعل الذي لا يدخل تحت كسب العبد واختياره ، بل حاصل بفعل الله تعالى ، والولي مَظهر له ، وفي هذا لا فرق بين حياة الولي وموته ، والدليل على جواز وقوع الكرامة بعد الموت أنها أمر ممكن جائز الوقوع ، فالكرامة بعد الموت جائزة الوقوع ، إذ لو لم نقل بجواز الوقوع للزم ترجيح أحد طرفي الممكن بلا مرجِّح وهو محال ، وللزم تعجيز القدرة تنزهت قدرته عن ذلك ، والدليل على وقوع الكرامة بعد الموت ما روي أن بعض الصحابة سمع ميتاً قرأ سورة الملك حتى ختمها ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فأقره صلى الله عليه وسلم وقال: «هِيَ الْمَانِعَةُ هِيَ الْمُنْجِيَةُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» وتقريره صلى الله عليه وسلم دليل شرعي ثبت به الأحكام ، ولا يعارض ذلك قول بدء الأمالي:كرامات الولي بدار دنيا ... لها كون فهم أهل النوالِ
إذ ليس بنص ولا ظاهر في انقطاع الكرامات بالموت ، لأن الدنيا عبارة عنكون المخلوقات الموجودة قبل الدار الآخرة ، ولا شك أن البرزخ من المخلوقات الموجودة قبل الدار الآخرة ، ولذا نصوا على أن عذاب القبر من الدنيا ، بل نصوا على أن يوم القيامة نصفه الأول الذي يقع فيه الفصل والحساب من الدنيا ، ونصفهالآخر الذي يقع فيه الانصراف إلى النار أو الجنة من الآخرة ، وقال شارحه البخاري: التقييد بدار دنيا لأن الاختلاف وقع فيها ، لأن دار العقبى محل كرامة جميع المؤمنين.وقال شارحه السمهودي ينبغي أن يكون ظهور الكرامات لهم بعد موتهم لهم أولى من ظهورها حال حياتهم ، لأن النفس باقية مع الأكدار والمحن وغيرها ، وقد شوهد ذلك فى كثير منهم بعد موتهم ، وقد يدخل ذلك في كلام الناظم فإن قوله بدار دنيا صادق بحياته وبعد موته انتهى.فالقائل بانقطاع الكرامات بالموت واهم ، وعن طريق الهدى ضال ، إذ لم يثبت في شيء من كتب المذاهب الأربعة ، ثم إن الكرامات بجميع خوارق العادات جائزة إلا ما نص علي أن أحداً لا يأتي بمثله كالقرآن.وذكر الشيخ عبد الوهاب الشعراني – قدس سره - أن الله تعالى يوكل بقبر الولي ملكاً يقضي حوائج الناس ، كما وقع للإمام الشافعي والسيدة نفيسة والسيد أحمد الرفاعي والسيد أحمد البدوي في إنقاذه الأسير من يد أسره من بلادالأفرنج 0انتهى.وإنقاذ الأسير أمر شهير ، نقله العلماء الثقات ، فإنكاره ضلال كبير ، يوجب المقت والتعزير أعاذنا الله تعالى من ذلك وسلك بنا أحسن المسالك ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.وأجاب الإمام العالم العلامة شافعي هذا العصر بلا خلاف ، ومعتمد هذا القرن شيخ مشايخ الإسلام مصطفى العزيزي بقوله: كرامات الأولياء ثابتة واقعة بالفعل في حياتهم وبعد موتهم ، بالأخبار الصحيحة التي بلغت في إفادة العلم مبلغ اليقين ، حتى صار المستفاد منها شبيهاً بالعلم الضروري الذي انتفت عنه الشكوك والأوهام ، فلا يرتاب ولا يشك في ذلك عاقل يؤمن بالله واليوم الآخر. أما في الحياة فبالكتاب والسنة وطرق الصحابة ، من ذلك واقعة صاحب سليمان في نقل العرش ، وواقعة مريم في وجود ولد من غير أب ، ووجود فاكهة الشتاء في الصيف وعكسه وغير ذلك من أحوالها ، فإنها خوارق للعادات ، إذ الكرامة أمر خارق للعادة من جنس المعجزة ، كما أشار إليه الإمام البوصيري بقوله:والكراماتَ منهمُ مُعجزاتٌ ... حازَهَا مِنْ نَوَالِكَ الأولياءُ
وعدم إطلاق المعجزة عليها حين وقوعها من الولي إنما هو لعدم التحدي المشترط في إطلاق المعجزة عليها ، وفي إطلاق الأبوصيري وعدم تقييده بالحياة وإبقاء شارحه العلامة ابن حجر إطلاقه حيث فسَّر ضمير منهم بقوله (أي الناس) ولم يقل أي الأحياء إشارة إلى أنها غير مقيدة بحال الحياة ، وهذا أول نص في الثبوت بعد الموت كما يأتي التعرض له في الشق الثاني.وأما بعد الموت فثبوتها للأولياء بانسحاب حال الحياة على مدة البرزخ ، فإن وصف الولاية الذي هو منشأ الكرامة وظهورها على يد صاحبها موجود في البرزخ وفي الجنة ، فإنه ورد أن ما من ولي يمر في الجنة تحت شجرة إلا وهي تناديه: كل مني يا ولي الله. على أن البرزخ من بقايا الدنيا ، فصاحب بدأ الأمالي موافق على إثباتها للولي بعد الموت حيث قال: كرامات الولي بدار دنيا. لأن البرزخ عنده من بقايا الدنيا كغيره من العلماء فلا مخالفة منه ، هذا ما اقتضته القواعد والمدارك للعقلاء.وأما النقل الخاص في شخصيات بعض الكرامات فروى الإمام القشيري شيخ أهل السنة والجماعة أن ابن الجلا- رحمه الله تعالى- بعد موته أحضروه للغسل فصار يضحك ، فلم يتجاسر أحد على غسله حتى أحضروا طبيب البلد ومسك مجسَّته ، ثم اضطرب الحال على الطبيب فقال شأنكم به لا علم لي بموته ولا بحياته وخرج ، فاستمر الحال حتى جاء رجل كان صاحبه فغسله.وروى القشيري- أيضاً- بالسند عن الثقات أن أبا يعقوب السوسي العالم الكبير غسل تلميذاً له فقبض على يد الشيخ ، فقال له أترك يدي يا ولدي ، فإني أعرف أنها نقلة.وروي- أيضاً- عن المذكور أنه غسل شاباً آخر ففتح عينيه على المغتسل ، فقال له أحياة بعد موت؟فقال: نعم أنا حيٌّ وكل محب لله حيٌّ . والناس تسمع.ونقل عن أبي علي الروزبادي شيخ وقته أنه نزل يُلحد شاباً فأفضى بخده إلى التراب ، ففتح عينيه وقال للشيخ أتذللني بين يدي من دللني؟ فقال الشيخ: أحي أنت!؟ قال: نعم ولأنصرنَّك يوم القيامة بجاهي يا أبا علي. والناس تسمع. ونقل الحافظ السيوطي شيخ السنة عن بعض الثقات في " شرح الصدور " أنه نزل يلحد شخصاً فوجد رجلاً في المحل وأمامه مصحف يقرأ فيه ، فالتفت للذي يلحد وقال: يرحمك الله أقامت القيامة؟ فقال: لا. فقال: رد القبر كما كان. ونقل الإمام القشيري- أيضاً- وغيره من الأئمة أن أبا سليمان الداراني لما توفي وألحد ورد عليه اللبن وقع لبنات ، فوجدوا الشيخ واقفاً يصلي.هذا ولا مطمع في استيفاء ما ورد من كرامات الأولياء بعد الموت ، أما ما نقل عن القطب الرباني الشريف العلوي سيدي أحمد البدوي من الكرامات بعد موته ، فقد تقيدت به العلماء الجهابذة والأخبار ودونوه.ضاع من رجل ميزان في وسط البحر بين في زِقنة ومُنية غمر ، فلما ذهب إلى المقام الأحمدي طلب من سيدي أحمد البدوي أن يرد عليه ميزانه ، فسقط الميزان من قبة الأستاذ ، وكان سيدي عبد الوهاب الشعراني بالمجلس ، فذكر أن أصابه شيء من التراب من أثر السقوط.ونقل الإمام عبد الله أبو المواهب الصديقي في كتابه (الجواهر البهية ، في مناقب السادة الأحمدية) عن سيدي عبد الوهاب الشعراني أن مجيء سيدي أحمد البدوي بالأسرى قد تعدد ، حتى إن عبد الوهاب- قدس الله تعالى سره- كان بالمقام في بعض السنين فشاهد مجيء سيدي أحمد البدوي بالأسير ، والوقائع كلها منقولة تقل الحديث بالأسانيد المعتبرة ، فلا ينبغي لمن يخشى سوء العواقب وغضب الله تعالى أن ينكر كرامات الأولياء بعد الموت ، وكون الميت صار في حكم الجماد لا ينافي وقوع الكرامة منه ، فإن الروح لها اتصال بالميت لأجل النعيم وغيره ، وغايته أن الاتصال يختلف قوة وضعفاً على أن الجمادات ثبت نطقها ، فمن ذلك الحجر الأسود كان يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما مر ، وحنين الجذع ، وتسبيح الحصا ، فكلام الأولياء بعد الموت كرامة أقرب من كلام الجمادات ، وهذا جلي لمن وفقه الله تعالى للخير واحترام أولياء الله تعالى وأحبابه ، على أن الكرامات للأولياء بعد الموت لا تقاس على المعجزات من الأنبياء بعده ، إذ لا يلزم من نفي المعجزة بعده نفي الكرامة بعده ، لأن المعجزة إنما ثبتت للأنبياء لأجل المعارضة ولا معارضة بعد الموت ، وأما كرامات الأولياء فمنة وفضيلة ليظهر الله تعالى بها عظمة عبده وعلو رفعته عنده تعالى ، وحاشا الله تعالى أن يقطع منته عن أحبائه بل يزيدهم ، بدليل قوله تعالى: ﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَة﴾ [فصلت/31] والأولياء رؤوس المخاطبين بهذه الفضيلة ، بل المعارضة في ثبوتها بعد الموت ترجع لمعارضة القرآن في هذه الآية الشريفة ، لأن الآية دلت منطوقاً على أن الله تعالى إذا منح شخصاً إيماناً وصلاحاً كان وليه وناظراً إليه في الدنيا وبعدها برزخاً وقيامة وفي الجنة.وبالجملة فثبوت الكرامة للأولياء بعد الموت يكاد أن يكون معلوماً علماً شبيهاً بالضرورة ، يخشى على منكر ذلك من سطوة الله تعالى وبطشه به ، وما تخيله بعض الأغبياء من أن ذلك فيه نسبة تأثير للمخلوق فخيال باطل ، لما علمت أن ذلك الخارق يخلقه الله تعالى على يد من اصطفاه من عباده والله تعالى أعلم.وأجاب الإمام العالم العلامة حافظ العصر شيخ مشايخ الإسلام أحمد المقدسي الحنبلي بقوله: نعم كرامات الأولياء ثابتة فلا تنقطع بموتهم ، كما هو منصوص عليه ، ولا ينكر ذلك إلاَّ من ابتلي بالحرمان والله تعالى أعلم.وأجاب- أيضاً- السيد محمد البليد المالكي زيادة على جوابه الأول بما نصه: قولكم إن الولي بعد الموت لا تصريف له إن كان ذلك على جهة السلب الكلي وعموم السلب بمعنى أنه بعد الموت لا تصريف له أصلا ورأساً بحيث إنه كجماد لا يسمن ولا يغني من جوع ، فلعمري قد ورد من الجزئيات ما ينقض ذلك السلب الكلي ، كرد الأرواح المتصلة بالأجساد اتصالاً ما كالشمس السلام على المسلمين عليها ، وطيران جعفر بعد الموت خصوصية ، وحديثه على شرط مسلم وقوله صلى الله عليه وسلم في أهل القليب «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ»([4]) وغير ذلك كانطلاق الأرواح ، وجواب السؤال ، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل ، وإن كان بقولك لا تصريف للولي بعد الموت ولا للنبي صلى الله عليه وسلم كما زعمت نفي التصريف بالمعنى الجزئي على طريق سلب العموم بمعنى أنه لا تصريف له كتصريفه وهو حيّ ، من خروجه من قبره ومشيه في السوق ونحو ذلك فَمُسَلَّم ، غير أنه لا ينافي أن له تصريفاً آخر أخروياً لا يدرى كنهه ولا تعرف كيفيته ، بدليل ما تقدم وغيره من نصوص الحفاظ كالإمام السيوطي وغيره ، فقد نص على أن النبي صلى الله عليه وسلم متصرف بعد موته في العالم العلوي والسفلي ، فالقول بنفي تصرف الأولياء بعد الموت باعتبار لا ينافي القول بتصرفهم بعد الموت باعتبار آخر ، وحينئذ فقولك بالكرامة بعد الموت وبالتصرف بعد الموت بالمعنى المذكور شكاةٌ ظاهر عنك عارها ، ولئن سلمنا عدم التصرف بعد الموت بالسلب الكلي فلا يقدح ذلك أيضاً ، فإنه سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء كيف يشاء ، فقد سمع حنين الجذع له صلى الله عليه وسلم وسلام الحجر الذي هو الأسود أو حجر بزقاق مكة على الخلاف ، ونص السعد في " العقائد " على أن طيران جعفر كرامة له ، وكان بعد موته كما في " المواهب " على شرط مسلم ، وإن أبيت النصوص المتواترة في ذلك فقد أفتى علماء المذاهب الأربعة بالكرامات بعد الموت ، وبالتصرف بعده أيضاً ، فإن أبيت أيضاً تلك الفتيا: فنحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راضٍ والرأي مختلف
وإن وافقت على ذلك فقد زال الإشكال بكل حال ، على أن الأمر قريب فنسأله صلى الله عليه وسلم عن ذلك في ذلك اليوم الذي نقف فيه حفاة عراة.وبالجملة فكما أن ذهاب جسد الميت بالكلية بنسفه بالريح نسفاً أو بأكل الحوت لا يمنع من توجه السؤال والجواب ، وتصرف الروح المتعلقة به تعلقاً لا يدرى كنهه ، والشعور بالتنعم وبالتعذيب كذلك الموت لا يمنع من تصرف الأولياء تصرفاً أخروياً لا يدرى كنهه ليس كتصرف الدنيا ، وقد تمت كلمة التواتر الذي هو من جملة أسباب العلم بوقوع ذلك ، سيما بنقل الإمام الحافظ السيوطي وهو ممن نقل مسألة الأسير في " حسن المحاضرة " لكن في حال الحياة ، ونقلها غيره كالإمام الشعراني بعد الموت ، وسلم ذلك له العلماء من عصره إلى وقتنا ، وبعد ذلك فالمنكر للكرامات بعد الموت لا يخلو جوابه عن تلك الأدلة.إما بمنعه مقدماتها على التعيين وهو النقض التفصيلي ، فعليه البيان لسند المنع.وإما بمنعه تلك الدلائل من أصلها وهو النقض الإجمالي فكذلك ، وإما بمقابلتها بما ينافي إنتاجها وهو المعارضة فكذلك عليه البيان.وإما بمجرد المنع بلا سند وهو المكابرة ، ومن قوانين الآداب أنه لا يسمع ، ولا بد في سنده من نقول- أيضاً- عن علماء أكابر من أئمة المذاهب الأربعة ، وأسامي كتب معتبرة هي وزان معتمداتنا ولو كانت ظنية الثبوت والدلالة ، وإلاَّ فنحن متمسكون بإطلاق عبارة أهل السنة حتى يأتينا من كلامهم فيه تفصيل ، فالحق بالاتباع أحق ، قاله الشريف محمد البليدي المالكي كاتب الجواب الأول بحمل ذلك المطلق عليه ، بأن النزاع منصوبة من أهل السنة والمعتزلة في إثبات الكرامة للأولياء ونفيها من غير تفصيل بين حياة وموت ، فنتمسك بذلك ونطلب دليلاً يحمل مطلق نصوصهم عليه ، سواء كان قطعي الثبوت والدلالة أو كان ظنيهما أو قطعي الثبوت دون الدلالة أو بالعكس ، ثم إني أعجب من قول المنكرين لها بعد الموت يلزم على ذلك نسبة التأثير إلى غيره سبحانه وتعالى ، والحال أنه ما من شيء يقع في ملكه تعالى حياة وموتاً إلا وهو بالقضاء والقدر ، ويلزم على ذلك منع كرامات الأولياء في حال الحياة أيضاً ، وأعجب- أيضاً- من قولهم شيء لم يقع على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يقع على يد غيره؟ ولم ينظروا في قصة أصف وإتيانه بالعرش دون سليمان فكثير في ذلك ، فإن الحق بالاتباع أحق. انتهى ([5]).([1]) الدَّبر: النحل والزنابير.([2]) سنن أبي داود [2 / 19 ، (2523)] . ([3]) الراموز : البحر و النموذج و الأصل .[4] صحيح البخاري ، كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر[1 / 462 ، (1304)] ، صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه[4 / 2203 ، (2874)] . [5] طي السجل 235 – 258 .