القبض والبسط
وهما: حالتان، بعد ترقيِّ العبد حالة الخوف والرجاء.
فالقبض للعارف: بمنزلة الخوف للمستأنف.
والبسط للعارف: بمنزلة الرجاء للمستأنف.
ومن الفصل بين القبض والخوف، والبسط والرجاء: أن الخوف ما يكون من شيء في المستقبل، إما أن يخاف فوقت محبوب أو هجوم محذور.
وكذلك الرجاء: إنما يكون بتأميل محبوب في المستقبل، أو بتطلع زوال محذور وكفاية مكروه في المستأنف.
وأما القبض: فلمعنى حاصل في الوقت، وكذلك البسط، فصاحب الخوف والرجاء: تعلق قلبه في حالتيه بآجله. وصاحب القبض والبسط أخذ وقته بوارد غلب عليه في عاجله.
ثم تتفاوت نعوتهم في القبض والبسط على حسب تفاوتهم في أحوالهم: فمن واردٍ يوجب قبضاً، ولكن يبقى مساغ للأشياء الأخر، لأنه غير مستوف ومن مقبوض لا مساغ لغير وارده فيه، لأنه مأخوذ عنه بالكلية بوارده.
وكذلك المبسوط: قد يكون فيه بسط يسع الخلق، فلا يستوحش من أكثر الأشياء، ويكون مبسوطاً لا يؤثر فيه شيء بحال من الأحوال..
ومن أدنى موجبات القبض: أن يرد على قلبه وارد موجبه إشارى إلى عتاب ورمز باستحقاق تأديب، فيحصل في القلب لا محالة، قبض.
وقد يكون موجب بعض الواردات إشارة إلى تقريب، أو إقبال بنوع لطف وترحيب، فيحصل للقلب بسط.
وفي الجملة: قبض كل حسب بسطه، وبسطه على حسب قبضه.
وقد يكون قبض يشكل على صاحبه سببه: يجد في قلبه قبضاً لا يدري موجبه ولا سببه، فسبيل صاحب هذا القبض التسليم، حتى يمضي ذلك الوقت، لأنه لو تكلف نفيه، أو استقبل الوقت قبل هجومه عليه باختياره زاد في قبضه.
ولعله يعد ذلك منه: سوء أدب.
وإذا استسلم لحكم الوقت، فمن قريب يزول القبض، فإن الحق سبحانه قال: والله يقبض وببسط.
وقد يكون بسط يرد بغتة، ويصادف صاحبه فلتة لا يعرف له سبباً، يهز صاحبه ويستفزه، فسبيل صاحبه السكون، ومراعاة الأدب، فإن في هذا الوقت له خطراً عظيما فليحذر صاحبه مكراً خفياً.
كذا قال بعضهم: فتح عليَّ باب من البسط، فزللت زلة فحجبت عن مقامي.
ولهذا قالوا: قف على البساط، وإيَّاك والانبساط.
وقد عدّ أهل التحقيق حالتي القبض والبسط: من جملة ما استعاذوا منه، لأنهما بالإضافة إلى ما فوقهما من استهلاك العبد واندراجه في الحقيقة: فقر وضر.
يقول: الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي : سمعت الحسين بن يحيى يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول: سمعت الجنيد يقول: الخوف من الله يقبضني، والرجاء منه: يبسطني. والحقيقة: تجمعني، والحق: يفرقني، إذا قبضني بالخوف أفناني عني، وذا بسطني بالرجاء ردني علي وإذا جمعني بالحقيقة أحضرني وإذا فرقني بالحق أشهدني غيري، فغطاني عنه، فهو تعالى في ذلك كله محركي غير ممسكي، وموحشي غير مؤنسي، فأنا بحضوري أذوق طعم وجودي، فليته أفناني عني فمتعني، أو غيبني عني فروحني.
إلهي : لقد تركني القريب والبعيد ,
إلهي : بجاه نور جمالك وما أنت عليه في إطلاقات حنانك , ورحمتك وجنانك , إلاّ ما رحمتني حيث عين الرحمة يالله...
ابنكم آدم