لولا جد أصحابه في جهادهم وشجاعتهم في صفوف قتالهم، لافتضح المتأخرون، فالحمد لله على اليزل، كانوا بالليل رهباناً وبالنهار فرساناً، قطع الرسول طمع من طمع في لحاقهم بحسام "ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه" وكيف تنال مرتبة السابق بشيء وقر في صدره? أو منقبة المهيب والعدو يفرق من ظله? أو مقام الوقور فالملائكة تستحي منه? أو فضيلة مزاحم النفس في منزلة كهارون من موسى: يأس والله الكهول من مقارنة سيدَيْ كهول أهل الجنة، كما لم تطمع الشباب في مزاحمة سيدَيْ شباب أهل الجنة، متى التهبت في صحابة الأنبياء? عزيمة كحمرة جمرة حمزة، أو علا على العلاء علي، كعلاء علي، لقد فاز بلقب الصدق طلحة الجود، كما سعد بالفضل وحوارى الزبير، وسما بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم خلفه ابن عوف، كما قرت بلفظ فداك أبي وأمي عين سعد، ونجا بالشهادة له بالجنة سعيد، كما عز ابن الجراح بلقب الأمين، ولم يذكر باسمه بالقرآن غير زيد، وأين في الموالي مثل سالم وسلمان? ومن في الزهاد كمصعب وابن مظعون، وإنه لمسعود عبد الله ابن مسعود، وطوبى ثم طوبى لخباب وصهيب، ويا شرف المؤمنين بصوت بلال، ويكفي فخراً: "كوني فخراً لعمار" وأي بيت يشبه بيت أبي أيوب? ومن زين القراء إلا أبي بن كعب? ومن في النقباء كابن زرارة وابن الربيع? وأنى في الفقهاء مثل معاذ? ومن له زهد كزهد أبي ذر? والفخر لبني هاشم بالعباس، وكفى للبصراء قائداً ابن أم مكتوم، وإنه لقدوة المؤثرين أبو الدحداح، ومن في قوام الليل مثل تميم? ومن صبر على القتل صبر خبيب? كلهم أخيار، وجميعهم أبرار، ولا مثل صاحب الغار، وأين نظير فُتّاح الأمصار? ومن يشبه قتيل الدار? ولقد افتقروا إلى المجاهد بذي الفقار، بحب هؤلاء ترجى الجنة وتتقى النار.
إن الله تعالى لما حلى محمداً حلية التنزه، خلع عليه خلعةً هي الإسلام، وأعطاه منشوراً هو القرآن، ولواءً هو النصر، فأبو بكر صدَّق النبوة، وعمر أظهر الرسالة وعثمان جمع المنشور، وعلي حمل السيف لما جلا الرسول عروس الإسلام، لم يكن بد من نثار، نثر عمر نصف ماله، فرمى أبو بكر بالكل، فقام عثمان يجهز جيش العسرة، بوليمة العرس، فعلم على حال الغيرة، فبت طلاق الضرة، ثم رأى بعض جهاز الدنيا المطلقة عنده. وهو الخاتم. فسلم وما سلم:
خطوا وأقلامهم خطية سـلـب | | فهم على الخيل أميون كتـاب |
إن أحسنوا كلما واخلو لقوا ذمماً | | واخشوشنوا شيماً فالقوم أعراب |